ثم ما ذكره من انفراد الشيخ أبي محمد: بأن الحديث محمول على نفي الاستحباب، كذب وفجور وجهل، فإنه لم ينفرد بذلك، بل ولا الحديث مسوق لتحريم زيارة القبور، وإنما هو لبيان فضيلة المساجد الثلاثة دون غيرها، لأن المساجد الثلاثة مساجد الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - والعمل فيها يضاعف ما لا يضاعف في غيرها، وليس لزيارة القبور تعلق بالحديث.
ولما تكلم الأئمة على هذا الحديث، ومنهم الإمام العلامة أبو زكريا يحيى النووي رضي الله عنه في (شرح مسلم) قال: في الحديث فضيلة المساجد الثلاثة وفضيلة شد الرحال إليها، لأن معناه عند جمهور العلماء: لا فضيلة في شدها إلى مسجد غيرها.
وقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا: يحرم شدها إلى غيرها، وهو غلط، ومر بيانه في باب سفر المرأة.
فصرح بأن جمهور العلماء إنما ذكروا ذلك في الفضيلة، وصرح: بأنه لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها، ولم يتعرض للزيارة، البتة.
قلت: وجزم الشيخ محيي الدين رضي الله عنه، بأن الشيخ أبا محمد جزم بالتحريم.
وهو ممنوع، وإنما تردد في ذلك، فقال: ربما يحرم، وربما يكره، والله أعلم.
وقال - أعني النووي في (شرح مسلم) في باب سفر المرأة -:
(واختلف في شد الرحال وإعمال المطي إلى غيرها، لا الذهاب إلى قبور الصالحين والمواضع الفاضلة ونحو ذلك.
فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يحرم، وهذا الذي أشار إليه عياض مختارا له.
والصحيح عند أصحابنا، واختاره الإمام والمحققون لا يحرم ولا يكره.
والمراد: أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى الثلاثة خاصة). انتهى.
فذكر أولا: أن جمهور العلماء إنما ذكروا ذلك في الفضيلة.
وذكر ثانيا: أنه قول المحققين، وأنه لا يحرم ولا يكره، وأن المراد: أن الفضيلة