ومن لا يقبلها فما ذاك إلا أن الله - عز وجل - يريد إهلاكه وحشره في زمرة السامرة واليهود والزنادقة، ومن يرد الله - عز وجل - إضلاله فلا هادي له {والله يحكم لا معقب لحكمه} {لا يسأل عما يفعل} قسم الخلق إلى شقي وسعيد، فهو الفعال لما يريد، فمن اتبع هداه فلا يضل ولا يشقى، ومن اتبع هوى نفسه الأمارة وأهل الزيغ والضلالة، وحاد عن سبيل من بهم يقتدى هلك في المرقى.
ولنرجع إلى قول السلف رضي الله عنهم: إذا جلس شخص للوعظ فتفقدوا منه أمورا إن كانت فيه، وإلا فاهربوا منه، وإياكم والجلوس إليه، وإلا هلكتم من حيث طلبتم النجاة.
قالوا ذلك حين ظهر أهل الزيغ والبدع، وكثرت المقالات، وذلك بعد وفاة عمر رضي الله عنه وحديث حذيفة رضي الله عنه يدل لذلك واللفظ لمسلم.
(حديث حذيفة في الفتن ونبوغ الأهواء) قال حذيفة: (كنا عند عمر رضي الله عنه، فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره، قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة رضي الله عنه: فأسكت القوم، فقلت: أنا. قال: أنت لله أبوك.
قال حذيفة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعرض الفتن على القلوب كالحصير، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير على قلبين: على أبيض مثل الصفاة، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه.