بسمات الجاهلين كما قال إني أعظك وليس في آية منها دليل على كونهم على تلك الصفة التي نهاهم عن الكون عليها فكيف وآية نوح قبلها (فلا تسألني ما ليس لك به علم) فحمل ما بعدها على ما قبلها أولى لأن مثل هذا قد يحتاج إلى إذن وقد تجوز إباحة السؤال فيه ابتداء فنهاه الله أن يسأله عما طوى عنه علمه وأكنه من غيبه من السبب الموجب لهلاك ابنه ثم أكل الله تعالى نعمته عليه بإعلامه ذلك بقوله (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) حكى معناه مكي كذلك أمر نبينا في الآية الأخرى بالتزام الصبر على إعراض قومه ولا يحرج عند ذلك فيقارب حال الجاهل بشدة التحسر، حكاه أبو بكر بن فورك وقيل معنى الخطاب لأمة محمد أي فلا تكونوا من الجالين، حكاه أبو محمد مكي، وقال مثله في القرآن كثير، فبهذا الفضل وجب القول بعصمة الأنبياء منه بعد النبوة قطعا فإن قلت فإذ قررت عصمتهم من هذا وأنه لا يجوز عليهم شئ من ذلك فما معنى إذا وعيد الله لنبينا صلى الله عليه وسلم على ذلك إن فعله وتحذيره منه كقوله (لئن أشركت ليحبطن عملك) الآية وقوله تعالى (ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك) الآية وقوله تعالى (إذا لأذقناك ضعف الحياة) الآية وقوله (لأخذنا منه باليمين) وقوله (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) وقوله (وأن يشأ الله يختم على قلبك) وقوله (فإن لم تفعل فما بلغت رسالته) وقوله (اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين) فاعلم وفقنا الله وإياك أنه صلى الله عليه وسلم لا يصح ولا يجوز عليه أن لا يبلغ ولا يخالف أمر ربه ولا أن يشرك به ولا يتقول على الله ما لا يحب أو يفترى عليه أو يضل أو يختم
(١٠٨)