في الحديث هل كان هذا اليهودي من أهل العهد والذمة أو
الحرب ولا يترك موجب الأدلة للأمر المحتمل والأولى في ذلك كله والأظهر من هذه الوجوه مقصد الاستئلاف والمداراة على الدين لعلهم يؤمنون ولذلك ترجم البخاري على حديث القسمة
والخوارج (باب من ترك
قتال الخوارج للتألف ولئلا ينفر الناس عنه) ولما ذكرنا معناه عن مالك وقررناه قبل وقد
صبر لهم صلى الله عليه وسلم على سحره وسمه وهو أعظم من سبه إلى أن نصره الله عليهم وأذن له في
قتل من حينه منهم وإنزالهم من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب وكتب على من شاء منهم الجلاء وأخرجهم من ديارهم وخرب بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين وكاشفهم بالسب فقال يا إخوة القردة والخنازير وحكم فيهم سيوف المسلمين وأجلاهم من جوارهم وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى فإن قلت فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم (ما انتقم لنفسه في شئ يؤتى إليه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله) فاعلم أن هذا لا يقتضى أنه لم
ينتقم ممن سبه أو آذاه أو كذبه فإن هذه من حرمات الله التي انتقم لها وإنما يكون ما لا
ينتقم منه له فيما تعلق بسوء أدب أو معاملة من القول والفعل بالنفس والمال مما لم يقصد فاعله به أذاه لكن مما جبلت عليه
____________________
(قوله من حينه) بمهملة مفتوحة ومثناة تحتية مشددة ونون أي أراد هلاكه من الحين بفتح المهملة وهو الهلاك (قوله من صياصيهم) أي حصونهم