قبل نبوته فإن قيل فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله كل يوم مائة مرة) وفى طريق (في اليوم أكثر من سبعين مرة) فاحذر أن يقع ببالك أن يكون هذا الغين وسوسة أو ريبا وقع في قلبه عليه السلام بل أصل الغين في هذا ما يتغشى القلب ويغطيه، قاله أبو عبيد وأصله من غين السماء وهو إطباق الغيم عليها، وقال غيره والغين شئ يغشى القلب ولا يغطيه كل التغطية كالغيم الرقيق الذي يعرض في الهواء فلا يمنع ضوء الشمس وكذلك لا يفهم من الحديث أنه يغان على قلبه مائة مرة أو أكثر من سبعين في اليوم إذ ليس يقتضيه لفظه الذي ذكرناه وهو أكثر الروايات وإنما هذا عدد للاستغفار لا للغين فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه وفترات نفسه وسهوها عن مداومة الذكر ومشاهدة الحق بما كان صلى الله عليه وسلم دفع إليه من مقاساة البشر وسياسة الأمة ومعناة الأهل ومقاومة الولي والعدو ومصلحة النفس وكلفه من أعباء أداء الرسالة وحمل الأمانة وهو في كل هذا في طاعة ربه وعبادة خالقه ولكن لما كان صلى الله عليه وسلم أرفع الخلق عند الله مكانة وأعلاهم درجة وأتمهم به معرفة وكانت حاله عند خلوص قلبه وخلو همه وتفرده بربه وإقباله بكليته عليه ومقامه هنا لك أرفع حاليه رأى صلى الله عليه وسلم حال فترته عنها وشغله بسواها غضا من على حاله وخفضا من رفيع مقامه فاستغفر الله من ذلك، هذا أولى وجوه الحديث وأشهرها وإلى معنى ما أشرنا به مال كثير من الناس وحام حوله فقارب ولم يرد وقد قربنا غامض معناه وكشفنا للمستفيد محياه وهو مبنى على جواز الفترات والغفلات والسهو في غير طريق البلاغ على ما سيأتي
(١٠٦)