قال: فانصرف الأشتر مغضبا وهو يقول: يا أهل العراق! يا أهل الرهن (1) و الوهن! ويلكم الآن حين علوتموهم بالطعن والضرب وعلموا أنكم قاهرون رفعوا لكم هذه المصاحف خديعة ومكرا، ثم دعوكم إليها! فقال الأشعث بن قيس: يا هذا! إننا قاتلناهم لله عزو جل، وندع الساعة قتالهم لله عز وجل، قال: فقال الأشتر: ويحكم! فأمهلوني ساعة فلقد أحسست بالفتح وأيقنت بالظفر، فقالوا:
لا، قال: فأمهلوني عدوة فرسي (2)، فإني قد طمعت في النصر، فقالوا: إذا ندخل معك في خطيئتك، فإنهم قد دعونا إلى كتاب الله عز وجل، فقال الأشتر: إنه قد قتل أماثلكم (3) وبقي أراذلكم، وقد كنتم إلى الساعة محقين، فإن تركتم قتالكم تكونوا مبطلين (4)؟ قال: فصاحت به القراء وغيرهم من الناس وقالوا: دعنا منك يا أشتر، فإننا لا نطيعك ولن نطيع صاحبك ونحن نرى المصاحف على رؤوس الرماح ندعى إليها. فقال الأشتر: لا والله ولكن خدعتم فانخدعتم، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم، ثم أقبل على أولئك القراء فقال: يا أصحاب الجباة السود! كنا نظن أن صلاتكم (5) زهادة في الدنيا وتشوقا في الآخرة، وأنا والله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا، فقبحا لكم وبعدا كما بعد القوم الظالمون.
قال: فسبوه وسبهم، وضربوا بسياطهم وجه فرسه وضرب بسوطه وجوه دوابهم، وهموا به وهم بهم، وأعانه (6) بنو عمه، وكادت الفتنة أن تقع بين القوم حتى سكنهم علي وقال: كفوا عنه ما لكم وله.
قال: فتكلم رجل من أصحاب علي رضي الله عنه وقال: يا هذا! إن أمير المؤمنين قد قبل الحق ورضي بحكم القرآن ولم يسعه إلا ذلك فلا تقتل نفسك،