قال: فنظر علي رضي الله عنه ساعة ثم قال: يا هؤلاء! إني أنا أول من دعا إلى كتاب الله، وأول من أجاب إليه، ولا يحل لنا إلا الإجابة إليه، غير أني كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت أمس ناهيا فأصبحت منهيا، وأراكم قد أحببتم البقاء وكرهتم الحرب، وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون. قالوا:
فابعث إذا إلى الأشتر فادعه (1) إليك فإنه ما يفتر عن الحرب.
قال: وكان الأشتر رحمه الله أشرف على دخول عسكر معاوية فأرسل إليه علي رضي الله عنه رسولا (2) أن ارجع، فقال الأشتر للرسول: قل لأمير المؤمنين: ليس هذا وقت ينبغي لك أن تزيلني فيه عن موقفي.
قال: فارتفع الرهج وعلت الأصوات من ناحية الأشتر، فقال القوم: إننا إنما سألناك أن ترد الأشتر ولم نسألك أن تأمره بالحرب، فقال علي رضي الله عنه: وكيف علمتم أني أمرته بالحرب؟ هل رأيتموني وأنا أسار الرسول؟ ألم أكلمه وأنتم تسمعون؟ قالوا: فابعث إليه فليأتك وإلا والله اعتزلناك. قال: فقال علي رضي الله عنه لرجل من أصحابه (3): اذهب إليه فقل له: ويحك! أقبل فإن الفتنة قد وقعت (4).
قال: فجاءه الرسول بالرسالة من عند علي رضي الله عنه، فقال الأشتر: لعل أمير المؤمنين إنما يدعوني لأجل هذه المصاحف التي رفعت؟ قال الرسول: نعم فارجع، فقال الأشتر رحمه الله: أما والله لقد علمت (5) حين رفعت أنها ستلقي اختلافا وفرقة، وأنها مشورة ابن النابغة (6) عمرو بن العاص، ثم قال للرسول:
و يحك! أمهلني ساعة فإني قد تقاربت من الفتح، فقال له الرسول: أفتحب أن تظفر وأمير المؤمنين بمكانه ذلك؟ فقال الأشتر: سبحان الله! لا والله ما أحب ذلك، قال: فارجع فإن القراء قد قالوا له: ابعث إلى الأشتر فليأتك وإلا قتلناك كما قتلنا عثمان.