قال: فقال علي: تكلموا بما تريدون حتى ننظر ما الذي تطلبون. قال فتكلم شرحبيل بن السمط فقال: أما بعد فيا معشر أهل العراق! إن الله تبارك و تعالى قد جعل بيننا حقوقا عظاما من الأرحام الماسة والأنساب القربية والأصهار الشابكة، وقد علمنا يا أبا الحسن! أن لك سابقة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصهرا وقرابة و فقها في الدين وبأسا وتجربة وشرفا قديما والله يعلم، وإنك لتعلم أنا قد اقتتلنا لحمية الجاهلية بالسيوف الهندية، لأنها جارات القرب وحصون الحومات، وأنها بيضة الروم، وأما حرماتكم فإنها بيضة فارس، وقد رأينا أن تنصرف عنا يا أبا الحسن أنت ومن معك، فنخلي بينكم وبين عراقكم وحجازكم وتخلونا بيننا وبين شامنا و نحقن دماء المسلمين، والله يعلم أنني قد أتيت بغاية النصيحة وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
قال: فقال علي رضي الله عنه: والله لقد نظرت في هذا الأمر فضربت ظهره و بطنه وأنفه وعينه حتى لقد منعني النوم، فما وجدته يسعني إلا قتالكم أو الكفر بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأيم الله لوددت أنني فديت حقن دماء المسلمين بمهجتي، و لكن قولوا لصاحبكم هذا حتى يخرج إلى هذه الصحراء. ثم إني أدعو الله ويدعو هو أيضا أن يقتل المحق منا المبطل، ثم إني أبارزة فأينا قتل صاحبه ملتم معه بأجمعكم، فو الله لا يقاتل مع معاوية أحد إلا أكبه الله غدا في نار جهنم.
قال: فالتفت الشامي إلى أصحابه فقال: ما يقعدكم؟ انهضوا! فلا والله ما عند هذا الرجل إلا السيف.
قال: فوثب (1) أهل الشام وهم يقولون: هلكت العرب ورب محمد. ثم رجعوا إلى معاوية فأخبروه بذلك، فعلم معاوية أن عليا لا يجيبه إلى شيء مما يريد.
قال: وبات (2) الفريقان ليلتهم تلك، وليس فيهم أحد ينام لما قد عزموا عليه من مباكرة الحرب.