وبرهن كلما سنحت له الفرصة على غصبهم مقام الخلافة والولاية، وأعظمها اعتراضا على الغاصبين والهاضمين لحقه هي خطبته الشقشقية التي فضح بها جميع أعمالهم بصراحة، فلم يجدوا مناصا من تكذيبه وهو الصديق الأعظم والفاروق الأكبر بشهادة رسول الله، وهو الطاهر المبرأ من أي دنس في آية التطهير. هنا وجم الخصوم ولم يستطيعوا سوى نفي هذه الخطبة وتكذيب أنها صدرت من مقام الوصاية ومن الإمام علي، ونسبوها لغيره، فلم يجد المؤرخون والرادون إلى اثبات أسانيدها الصحيحة غير الاعتراف امام الحق فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير. واليك نبذة من الخطبة العصماء الشقشقية:
" أما والله لقد تقمصها فلان (ابن أبي قحافة) وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتئي بين ان أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه.
فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى.
أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول (أبو بكر) لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده... الخ " وقد كان القوم يريدون التظاهر بأن عليا كان راضيا بعمل الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ولكن هيهات وتراه في الكلمة الأولى التي ألقاها يعبر عن الذين اغتصبوا الخلافة منه بالمنافقين وبعدها بالظالمين ويصرح بهذا الغصب الفظيع وما قاساه من البدء إلى النهاية ويفضح فيما ابان سوء نياتهم ورداءة اعمالهم وتعدياتهم على حدود الله وحدود رسوله. ومن الغريب أن أناسا تمادوا في الظلم واتباع الظالمين وقد بان لهم الحق واطلعوا على الواقع، وان القوم منذ مات رسول الله - كما جاهر سيد الأوصياء علي (عليه السلام) - بعد غصبهم منصب الخلافة لم يألوا جهدا لتثبيت أقدامهم وتظاهرهم في أعمالهم وصبغتها بصبغة الدين، وهم في كل يوم وكل لحظة انما يتلقون اللعنات المتتالية فيما أتوه من ظلم وقتل ونهب واحراق وسبي وهتك