الاصرار والعناد في غوايتهم نفسها حذرت عليا نفسه أن يمتنع من الدخول بحرب أهلية، وأن يسايرهم ويصبر ويتحمل كل تصرفاتهم. ولا شك في أن قلة العدة المؤمنة والمخلصين له وللإسلام أدى إلى تركه القيام محافظة وحرصا على الاسلام أن لا يدخل في حرب، وهو أبو الحروب وما كان هذا بدعا من الأولياء وحتى الأنبياء الذين كانوا يخافون قومهم ويسألون الله العون. فهذا شيخ الرسل نوح وقد أعياه قومه فتوجه إلى الله قائلا وداعيا الآية 10 سورة 54 (القمر) (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) والآية 48 من سورة مريم قول خليل الله إبراهيم لأبيه آزر عندما يئس من عونه: (واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي...) وقد فسرها الإمام الرازي هنا ص 809 ج 5 من تفسيره الكبير بأن الاعتزال هنا إنما هو التباعد عنهم والمراد: أني أفارقكم في المكان وأفارقكم في طريقتكم.
والآية 21 من سورة القصص قصة فرار موسى من آل فرعون وقوله تعالى:
(فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين). والآية 150 من سورة الأعراف عندما ترك موسى قومه وخلف فيهم أخاه هارون وطلب منهم أن يطيعوه في غيابه، فأغواهم السامري فاتبعوه واتخذوا العجل يعبدونه حتى إذا عاد موسى ورأى ما رأى والآية: (وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) وقد شبه رسول الله عليا بهارون إذ قال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
وترى عليا بعد تغلب القوم يوم هجموا على داره (وفيها فاطمة بضعة رسول الله وأولاده الحسن والحسين ريحانتا رسول الله وسيدا شباب أهل الجنة أولئك الذين خصهم الله بالطهارة من الرجس في القرآن وأحداث ضغط الزهراء بين الحائط والباب حتى أسقطت محسنا وقد مر ذكره بسنده) وأخذوا عليا حاسر الرأس حافي القدمين وهو يقول: " أنا عبد الله وأخو رسوله " وهددوه بالقتل كي