ولا الذين جاءوا بهذا الرأي؟ إذ معناه ابطال معجزة القرآن وهدم أصوله من القواعد. هذا على أن الأحاديث لو كانت قد كتبت فإنما ذلك على أنها أحاديث للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين الحديث والقرآن ولا ريب فروق كثيرة يعرفها كل من له بصيرة بالبلاغة وذوق في البيان. ومن ثم كانت تؤثر على هذه الصفة وإذا كتبها الصحابة بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ووزعوا منها نسخا على الأنصار كما فعلوا بالقرآن فيكون ذلك على أنها أحاديث يتلقاها المسلمون على أنها كلام النبي ويظل أمرها على ذلك جيلا بعد جيل فلا يدخلها الشوب ولا يعتريها التغيير، ولا ينالها الوضع على أن هذا السبب الذي يتشبثون به قد زال بعد أن كتب القرآن في عهد أبي بكر على ما رووه، وبعد أن كتب مرة أخرى في عهد عثمان ووزعت منه نسخ على الأمصار وأصبح من العسير بل من المستحيل أن يزيدوا على القرآن حرفا واحدا.
وما لهم يذهبون إلى اختراع الأسباب وابتداع العلل وعنه أيضا أنه روى الدارمي وأبو داود وابن ماجة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا وأني أوتيت الكتاب ومثله معه، وفي رواية أخرى: الا أني أوتيت القرآن ومثله معه.
وهنا يجب أن نعجب من قول عمر عندما طلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يحتضر أن يكتب للناس كتابا لن يضلوا بعده فقال عمر: حسبنا كتاب الله. وهل صح ذلك من عمر وقد بدل كثيرا من نصوص القرآن ولتستطيع أن تلم بذلك راجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة الامام السيد عبد الحسين شرف الدين. وروى الذهبي في تذكرة الحفاظ عن شعبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه أن عمر حبس ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال: " قد أكثرتم الحديث عن رسول الله، وكان قد حبسهم في المدينة ثم أطلقهم عثمان ". جاء ذلك في ص 7 ج 1 وص 123 من " تاريخ التشريع الاسلامي " وص 161 كتاب " تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية ".