صباح اليوم التاسع والعشرين حين وجدهم متثاقلين خرج إليهم وحضهم على السير، وعقد اللواء لأسامة بيده الشريفة. وقال: أغز بسم الله وفي سبيل الله، وقاتل من كفر بالله، فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف (كان عمر زمان خلافته يقول لأسامة: مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنت علي أمير - نقل ذلك المؤرخون منهم الحلي) ثم تثاقلا هناك فلم يبرحا بالرغم من نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على إسراعهم قبل وصول الاخبار، وطعنهم بتأمير أسامة حتى غضب (صلى الله عليه وآله وسلم) غضبا شديدا، فخرج (صلى الله عليه وآله وسلم) معصب الرأس محموما مدثرا بقطيفة وكان يوم السبت يوم العاشر من ربيع ويومين قبل وفاته وصعد المنبر وقال: أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبل وأيم الله انه كان لخليقا بالامارة، وان ابنه من بعده لخليق بها، وحضهم على المبادرة إلى السير فجعلوا يودعونه ويخرجون إلى العسكر بالجرف وهو يحضهم على التعجيل ثم ثقل مرضه فجعل يقول " جهزوا جيش أسامة جهزوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عن جيش أسامة " يكرر ذلك وهم متثاقلون حتى اليوم الثاني عشر من ربيع الأول (يوم الاثنين) دخل أسامة من معسكره على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمره بالسير قائلا: اغد على بركة الله تعالى، فوعده وخرج إلى المعسكر، ثم رجع ومعه عمر وأبو عبيدة فانتهوا إليه وهو يجود بنفسه، فتوفي في نفس اليوم. فرجع الجيش إلى المدينة وكادوا يعزلون أسامة لولا اصرار أبي بكر، فذهب أسامة وانتصر وعاد منصورا، فكان نص رسول الله صائبا، ومن خالفوه ومنهم عمر الذي جاء أبا بكر على عزل أسامة فلم يرض، وكانوا يطلبون من أبي بكر إلغاء البعث، فوثب أبو بكر واخذ بلحية عمر فقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأمرني أن انزعه. ذلك ما نقله الحلبي والدحلاني في سيرتيهما، وابن جرير في تاريخه وغيرهم.
(٢١٩)