إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٦ - الصفحة ٢٥٨
العزيز: (حمالة الحطب)، امرأة أبي لهب بن عبد المطلب، لأنها كانت تحمل أغصان العضاه والشوك، فتطرحها في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لأنها حمالة النميمة، تحطب على ظهرها.
ولم نزلت سورة (تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد) (1)، قالت أم جميل: هجاني محمد، والله لأهجونه:
محمدا قلينا * ودينه أبينا وأخذت فهرا لتضربه، فأغشى الله عينيها عنه، وردها بغيظها، وهي أم عتبة، وعتيبة، بني أبي لهب (2).

(١) سورة المسد كلها، سميت هذه السورة في أكثر المصاحف: (سورة تبت)، وكذلك عنونها الترمذي في (جامعة)، وفي أكثر كتب التفسير، تسمية لها بأول كلمة فيها. وسميت في بعض المصاحف وبعض التفاسير (سورة المسد)، واقتصر في (الإتقان) على هذين. وسماها بعض المفسرين: (سورة أبي لهب)، على تقدير: سورة ذكر أبي لهب، وعنونها أبو حيان في تفسيره: (سورة اللهب)، ولم أره لغيره. وعنونها ابن العربي في (أحكام القرآن): (سورة ما كان من أبي لهب)، وهو عنوان وليس باسم. وهي مكية بالاتفاق، وعدت السادسة من السور نزولا، نزلت بعد سورة الفاتحة، وقبل سورة التكوير. وعدد آياتها خمس.
روى أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة، وسبب نزولها على ما في الصحيحين، عن ابن عباس، قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا، فنادى: (يا صباحاه)، " كلمة ينادى بها للإنذار من عدو يصبح القوم "، فاجتمعت إليه قريش، فقال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، أرأيتم لو أني أخبرتكم أن العدو ممسيكم أو مصبحكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: (تبت يدا أبي لهب وتب).
(٢) وأبو لهب: هو عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو عتبة تكنية باسم ابنه، وأما كنيته بأبي لهب في الآية، فقيل: كان يكنى بذلك في الجاهلية " لحسنه وإشراق وجهه "، وأنه اشتهر بتلك الكنية، كما اقتضاه حديث طارق المحاربي، ومثله حديث من ربيعة بن عباد الديلي في (مسند أحمد).
فسماه القرآن بكنيته دون اسمه، لأن في اسمه عبادة العزى، وذلك لا يقره القرآن، أو لأنه كان بكنيته أشهر منه باسمه العلم، أو لأن في كنيته ما يتأتى به التوجيه بكونه صائرا إلى النار، وذلك كناية عن كونه جهنميا، لأن اللهب: ألسنة النار إذا اشتغلت وزال عنها الدخان. والأب يطلق على ملازم ما أضيف إليه، كما كنى إبراهيم عليه السلام، أبا الضيفان، وكنى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن بن صخر الدوسي: أبا هريرة، لأنه حمل هرة في كم قميصه، وكنى شهر رمضان: أبا البركات، وكنى الذئب: أبا جعدة " والجعدة سخلة المعز، لأنه يلازم طلبها لافتراسها "، فكانت كنية أبي لهب صالحة، موافقة لحاله من استحقاقه لهب جهنم، فصار هذا التوجيه كناية عن كونه جهنميا، لينتقل من جعل أبي لهب بمعنى ملازم اللهب إلى لازم تلك الملازمة في العرف، وهو أنه من أهل جهنم، وهو لزوم ادعائي، مبني على التفاؤل بالأسماء ونحوها.
كما أشار التفتزاني في مبحث العلمية من شرح (المفتاح)، وأنشد قول الشاعر:
قصدت أبا المحاسن كي أراه * لشوق كان يجذبني إليه فلما أن رأيت رأيت فرذا * ولم أر من بنيه ابنا لديه قوله تعالى: (ما أغنى عنه ماله وما كسب): استئناف ابتدائي للانتقال من إنشاء الشتم والتوبيخ إلى الإعلام بأنه آيس من النجاة من هذا التبات، ولا يغنيه ماله ولا كسبه، أي لا يغني عنه ذلك في دفع شئ عنه في الآخرة، والتعبير بالماضي في قوله: (ما أغنى) لتحقيق وقوع عدم الاغناء.
والمال: الممتلكات المتمولة، وغلب عند العرب إطلاقه على الإبل، ومن كلام عمر رضي الله عنه:
(لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله)... في اتقاء دعوة المظلوم من (الموطأ). وأهل المدينة، وخيبر، والبحرين، يغلب عندهم على النخيل.
وروي عن ابن مسعود أن أبا لهب قال: (إن كان ما يقول ابن أخي حقا، فأنا افتدي نفسي يوم القيامة بمالي وولدي)، فأنزل الله تعالى: (ما أغنى عنه ماله وما كسب)، وقال ابن عباس: (ما كسب)، هو ولده، الولد من كسب أبيه.
قوله تعالى: (سيصلى نارا ذات لهب)، بيان لجملة ما أغنى عنه ماله وما كسب، أي لا يغني عنه شئ من عذاب جهنم. ونزل هذا القرآن في حياة أبي لهب، وقد مات بعد ذلك كافرا، فكانت هذه الآية إعلاما بأنه لا يسلم، وكانت من دلائل النبوة.
ووصف النار ب‍ (ذات لهب)، لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وبين كفره، إذ هو أبو لهب، والنار ذات لهب. وبين لفظي (لهب) الأول و (لهب) الثاني، الجناس التام.
قوله تعالى: (وامرأته حمالة الحطب)، أعقب ذم أبي لهب ووعيده بمثل ذلك لامرأته، لأنها كانت تشاركه في أذى النبي صلى الله عليه وسلم وتعين عليه.
وامرأته: أي زوجته، قال تعالى في قصة إبراهيم: (وامرأته قائمة). وفي قصة لوط: (إلا امرأته كانت من الغابرين)، وفي قصة نسوة يوسف: (امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه).
وامرأة أبي لهب، هي أم جميل، واسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان بن حرب، وقيل: اسمها العوراء، فقيل: هو وصف، وأنها كانت عوراء، وقيل: اسمها. وذكر بعضهم: أن اسمها العؤاء بهمزة بعد الواو.
وكانت أم جميل هذه تحمل حطب العضاه والشوك، فتضعه في الليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم الذي يسلك منه ليعقر قدميه. فلما خصل لأبي لهب وعيد مقتبس من كنيته، جعل لامرأته وعيد مقتبس لفظه من فعلها، وهو حمل الحطب في الدنيا، فأنذرت بأنها تحمل الحطب في جهنم ليوقد به على زوجها، وذلك خزي لها ولزوجها، إذ جعل شدة عذابه على يد أحب الناس إليه، وجعلها سببا لعذاب أعز الناس عليها.
وقوله تعالى: (حمالة الحطب)، قرأه الجمهور برفع (حمالة) على أنه صفة لامرأته، فيحتمل أنها صفتها في جهنم، ويحتمل أنها صفتها التي كانت تعمل في الدنيا بجلب حطب العضاه لتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم، على طريقة التوجيه والايماء إلى تعليل تعذيبها بذلك.
وقوله تعالى: (في جيدها حبل من مسد)، صفة ثانية، أو حال ثانية، وذلك إخبار بما تعامل به في الآخرة، أي يجعل لها حبل في عنقها تحمل فيه الحطب في جهنم، لإسعار النار على زوجها جزاء مماثلا لعملها في الدنيا، الذي أغضب الله تعالى عليها.
والجيد: العنق، وغلب في الاستعمال على عنق المرأة، وعلى محل القلادة منه، فقل أن يذكر العنق في وصف النساء في الشعر العربي إلا إذا كان عنقا موصوفا بالحسن.
قال السهيلي في (الروض): والمعروف أن يذكر العنق إذا ذكر الحلي أو الحسن، فإنما حسن هنا ذكر الجيد في حكم البلاغة، لأنها امرأة، والنساء تحلي أجيادهن، وأم جميل لا حلي لها في الآخرة إلا الحبل المجعول في عنقها، فلما أقيم لها ذلك مقام الحلي ذكر الجيد معه.
والحبل: ما يربط به الأشياء التي يراد اتصال بعضها ببعض، وتقيد به الدابة، والمسجون كيلا يبرح من المكان، وهو ضفير من الليف.
والمسد: ليف من ليف اليمن شديد، والحبال التي تقل منه تكون قوية وصلبة. وقدم الخبر من قوله: (في جيدها) للاهتمام بوصف تلك الحالة الفظيعة، التي عوضت فيها بحبل في جيدها، عن العقد الذي كانت تحلي به جيدها في الدنيا فتربط به: إذ قد كانت هي وزوجها من أهل الثراء وسادة أهل البطحاء. وقد ماتت أم جميل على الشرك. (تفسير التحرير والتنوير): 30 / 599 - 607 باختصار.
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في ذكر ذريه رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
2 فصل في ذكر عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم 13
3 فصل في ذكر سلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم 17
4 فصل في ذكر سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم 18
5 نبذة 20
6 فصل في العقب والعقاب 22
7 فصل في ذكر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم 24
8 - أم المؤمنين خديجة بنت خويلد 24
9 - أم المؤمنين سودة بنت زمعة 31
10 - أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر 35
11 - غزية 44
12 أم المؤمنين حفصة بنت عمر 46
13 أم المؤمنين زينب بنت خزيمة 52
14 أم المؤمنين أم سلمة 53
15 أم المؤمنين زينب بنت جحش 57
16 أم المؤمنين أم حبيبة 63
17 أم المؤمنين جويرية بنت الحارث 82
18 أم المؤمنين صفية بنت حيي 86
19 أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث 89
20 فصل جامع لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم 92
21 - أم شريك 97
22 - العالية 97
23 - الكلابية 98
24 أسماء بنت عمرو 99
25 - قتيلة بنت قيس 99
26 - الجونية 100
27 - مليكة بنت كعب 101
28 أم هانئ 102
29 - صفية بنت بشامة 104
30 - ليلى بنت الخطيم 105
31 - خولة بنت الهذيل 106
32 - شراف بنت قطام 106
33 - ضباعة بنت عامر 107
34 الكلبية 108
35 - أمامة بنت الحارث 109
36 - جمرة بنت الحارث 109
37 - درة بنت أبي سلمة 110
38 - أمامة بنت حمزة 110
39 - أم حبيب 111
40 - سناء بنت أسماء بنت الصلت 111
41 فصل في ذكر قوة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجماع 126
42 فصل في ذكر سرارى رسول الله صلى الله عليه وسلم 129
43 - مارية 129
44 - ريحانة 131
45 فصل في ذكر أسلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم 134
46 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل خديجة 134
47 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل سودة 136
48 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة 141
49 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة 146
50 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب أم المساكين 149
51 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل أم سلمة 149
52 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش 155
53 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة 157
54 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل ميمونة 164
55 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل مارية 171
56 فصل في ذكر أحماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 174
57 حمو رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل خديجة 175
58 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل سودة 177
59 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة 181
60 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة 183
61 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل أم سلمة 183
62 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش 184
63 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة 185
64 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل جويرية 186
65 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل صفية 187
66 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل ميمونة 188
67 فصل في ذكر أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم 189
68 أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل خديجة 192
69 إخوة خديجة 194
70 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل سودة 197
71 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة 201
72 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة 211
73 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل أم سلمة 220
74 - أولاد عم أم سلمة 228
75 - إخوة أم سلمة 251
76 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش 254
77 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة 256
78 - إخوة أم حبيبة 261
79 - صهره صلى الله عليه وسلم من قبل جويرية 270
80 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل ميمونة 270
81 - أصهاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء أعمامه 275
82 - أصهاره صلى الله عليه وسلم أزواج عماته 278
83 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل بناته 283
84 فصل في ذكر من كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولاد نسائه 295
85 فصل في ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم 302
86 فصل في ذكر إماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 340
87 فصل في ذكر خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم 349
88 فصل في ذكر من كان يلازم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم 352
89 فصل في ذكر الحاجب الذي كان يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم 354
90 فصل في ذكر صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم 356
91 فصل في ذكر من كان يغمز رسول الله صلى الله عليه وسلم 362
92 فصل في ذكر عدة ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم 363
93 فصل في ذكر لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم 366
94 - وأما الكلمة والقلنسوة والقناع 372
95 - وأما القميص 378
96 - وأما الرداء 381
97 - وأما القباء والمفرج 384
98 - وأما البردة 386
99 - وأما الجبة 391
100 - وأما الحلة 395