وجلس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والعباس على شفير قبر إبراهيم، ونزل الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وذلك يوم ثلاثاء في آخر شهر ربيع الأول، وقيل: يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، ورأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرجة في اللبن فأمر أن تسد، وقال: إنها لا تضر ولا تنفع، ولكنه يقر بعين الحي، وإن العبد إذا عمل عملا أحب الله أن يتقنه (1).
ويروي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) خرج يمشي أمام سرير إبراهيم ثم جلس على قبره، فلما دلى في قبره ووضع دمعت عيناه، فبكى الصحابة حتى ارتفعت أصواتهم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! أتبكي وأنت تنهى عن البكاء؟ فقال: تدمع العين، وتوجع القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، ثم دفن، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
ما أحد يأتينا بماء نطهر به قبر إبراهيم؟ فأتى بماء فأمر به فرش به على قبر إبراهيم، وكان أول من رش عليه وختم عليه بيده، وقال عند رأسه: السلام عليك.
وفي رواية: أنه وضع يده اليمنى على قبره من عند رأسه وقال: ختمت عليك بالله من الشيطان الرجيم، وفي رواية طبعت عليك بالله، وأمر بحجر فوضع عند رأسه (1).
ووافق موت إبراهيم عليه السلام كسوف الشمس على ثنتي عشرة ساعة من النهار، فقال قوم، إن الشمس انكسفت لموته، [ف] خطبهم (صلى الله عليه وسلم) فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته (2).
ويروى أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال حين حضر قبض إبراهيم وهو مستقبل الجبل:
يا جبل! لو بك ما في لهدك، ولكنا نقول كما أمرنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين.
وخرج ابن عساكر من حديث محمد بن الحسن الأسدي، حدثنا أبو شيبة عن أنس بن مالك قال: لما مات إبراهيم ابن النبي، قال لهم النبي (صلى الله عليه وسلم): لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه، فجاء فأكب عليه وبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه.