جنازته حافلة، وقد بلغ من العمر ثمانيا وأربعين سنة، وكان بارعا فاضلا في النحو والفقه وفنون أخر على طريقة والده رحمهما الله، وكان مدرسا بالصدرية والتدمرية، وله تصدير بالجامع، وخطابة بجامع ابن صلحان، ترك مالا جزيلا يقارب المائة ألف درهم. انتهى.
ثم دخل شهر صفر وأوله الجمعة، أخبرني بعض علماء السير أنه اجتمع في هذا اليوم - يوم الجمعة مستهل هذا الشهر - الكواكب السبعة سوى المريخ في برج العقرب، ولم يتفق مثل هذا من سنين متطاولة، فأما المريخ فإنه كان قد سبق إلى برج القوس فيه ووردت الاخبار بما وقع من الامر الفظيع بمدينة الإسكندرية من الفرنج لعنهم الله، وذلك أنهم وصلوا إليها في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر الله المحرم، فلم يجدوا بها نائبا ولا جيشا، ولا حافظا للبحر ولا ناصرا، فدخلوها يوم الجمعة (1) بكرة النهار بعد ما حرقوا أبوابا كثيرة منها، وعاثوا في أهلها فسادا، يقتلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والأطفال، فالحكم لله العلي الكبير المتعال. وأقاموا بها يوم الجمعة والسبت والأحد والاثنين والثلاثاء، فلما كان صبيحة يوم الأربعاء قدم الشاليش المصري، فأقلعت الفرنج لعنهم الله عنها، وقد أسروا خلقا كثيرا يقاومون الأربعة آلاف، وأخذوا من الأموال ذهبا وحريرا وبهارا وغير ذلك ما لا يحد ولا يوصف، وقدم السلطان والأمير الكبير يلبغا ظهر يومئذ (2)، وقد تفارط الحال وتحولت الغنائم كلها إلى الشوائن بالبحر، فسمع للأسارى من العويل والبكاء والشكوى والجأر إلى الله والاستغاثة به وبالمسلمين، ما قطع الأكباد، وذرفت له العيون وأصم الاسماع، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولما بلغت الاخبار إلى أهل دمشق شق عليهم ذلك جدا، وذكر ذلك الخطيب يوم الجمعة على المنبر فتباكى الناس كثيرا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وجاء المرسوم الشريف من الديار المصرية إلى نائب السلطنة بمسك النصارى من الشام جملة واحدة، وأن يأخذ منهم ربع أموالهم لعمارة ما خرب من الإسكندرية، ولعمارة مراكب تغزو الفرنج، فأهانوا النصارى وطلبوا من بيوتهم بعنف وخافوا أن يقتلوا، ولم يفهموا ما يراد بهم، فهربوا كل مهرب، ولم تكن هذه الحركة شرعية، ولا يجوز اعتمادها شرعا، وقد طلبت يوم