وفي أوائل جمادى الآخرة فتح السلطان خانقاه سرياقوس التي أنشأها وساق إليها خليجا وبنى عندها محلة، وحضر السلطان بها ومعه القضاة والأعيان والأمراء وغيرهم، ووليها مجد الدين الاقصرائي، وعمل السلطان بها وليمة كبيرة، وسمع على قاضي القضاة ابن جماعة عشرين حديثا بقراءة ولده عز الدين بحضرة الدولة منهم أرغون النائب، وشيخ الشيوخ القونوي وغيرهم، وخلع على القارئ عز الدين وأثنوا عليه ثناء زائدا، وأجلس مكرما، وخلع أيضا على والده ابن جماعة وعلى المالكي وشيخ الشيوخ، وعلى مجد الدين الاقصرائي شيخ الخانقاه المذكورة وغيرهم. وفي يوم الأربعاء رابع عشر رجب درس بقبة المنصورية في الحديث الشيخ زين الدين بن الكتاني الدمشقي، بإشارة نائب الكرك وأرغون، وحضر عنده الناس، وكان فقيها جيدا، وأما الحديث فليس من فنه ولا من شغله.
وفي أواخر رجب قدم الشيخ زين الدين بن عبد الله بن المرحل من مصر على تدريس الشامية البرانية، وكانت بيد ابن الزملكاني فانتقل إلى قضاء حلب، فدرس بها في خامس شعبان وحضر القاضي الشافعي وجماعة. وفي سلخ رجب قدم القاضي عز الدين بن بدر الدين بن جماعة من مصر ومعه ولده، وفي صحبته الشيخ جمال الدين الدمياطي وجماعة من الطلبة بسبب سماع الحديث، فقرأ بنفسه وقرأ الناس له واعتنوا بأمره، وسمعنا معهم وبقراءته شيئا كثيرا، نفعهم الله بما قرأوا وبما سمعوا، ونفع بهم. وفي يوم الأربعاء ثاني عشر شوال درس الشيخ شمس الدين بن الأصبهاني، بالرواحية بعد ذهاب ابن الزملكاني إلى حلب، وحضر عند القضاة والأعيان، وكان فيهم شيخ الاسلام ابن تيمية، وجرى يومئذ بحث في العام إذا خص، وفي الاستثناء بعد النفي ووقع انتشار وطال الكلام في ذلك المجلس، وتكلم الشيخ تقي الدين كلاما أبهت الحاضرين، وتأخر ثبوت عيد الفطر إلى قريب يوم العيد، فلما ثبت دقت البشائر وصلى الخطيب العيد من الغد بالجامع، ولم يخرج الناس إلى المصلى، وتغضب الناس على المؤذنين وسجن بعضهم.
وخرج الركب في عاشره وأميره صلاح الدين بن أيبك الطويل، وفي الركب صلاح الدين بن أوحد، والمنكورسي، وقاضيه شهاب الدين الظاهر. وفي سابع عشره درس الرباط الناصري بقاسيون حسام الدين القزويني الذي كان قاضي طرابلس، قايضه بها جمال الدين الشريشني إلى تدريس المسرورية (1)، وكان قد جاء توقيعه بالعذراوية والظاهرية فوقف في طريقه قاضي القضاة جمال الدين ونائباه ابن جملة والفخر المصري، وعقد له ولكمال الدين بن الشيرازي مجلسا، ومعه توقيع بالشامية البرانية، فعطل الامر عليهما لأنهما لم يظهرا استحقاقهما في ذلك المجلس، فصارت المدرستان العذراوية والشامية لابن المرحل كما ذكرنا، وعظم القزويني