منها قدم إلى دمشق الشيخ شمس الدين محمود الأصبهاني بعد مرجعه من الحج وزيارة القدس الشريف وهو رجل فاضل له مصنفات منها: شرح مختصر (1) ابن الحاجب، وشرح التجويد (2) وغير ذلك، ثم إنه شرح الحاجبية أيضا وجمع له تفسيرا بعد صيرورته إلى مصر، ولما قدم إلى دمشق أكرم واشتغل عليه الطلبة، وكان حظيا عند القاضي جلال الدين القزويني، ثم إنه ترك الكل وصار يتردد إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية وسمع عليه من مصنفاته ورده على أهل الكلام، ولازمه مدة فلما مات الشيخ تقي الدين تحول إلى مصر وجمع التفسير.
وفي ربيع الأول حرد السلطان تجريدة نحو خمسة آلاف إلى اليمن لخروج عمه عليه (3)، وصحبتهم خلق كثير من الحجاج، منه الشيخ فخر الدين النويري. وفيها منع شهاب الدين بن مري البعلبكي من الكلام على الناس بمصر، على طريقة الشيخ تقي الدين بن تيمية، وعزره القاضي المالكي بسبب الاستغاثة، وحضر المذكور بين يدي السلطان وأثنى عليه جماعة من الأمراء، مسفر إلى الشام بأهله فنزل ببلاد الخليل، ثم انتزح إلى بلاد الشرق وأقام بسنجار وماردين ومعاملتهما يتكلم ويعظ الناس إلى أن مات رحمه الله كما سنذكره.
وفي ربيع الآخر عاد نائب الشام من مصر وقد أكرمه السلطان والأمراء. وفي جمادى الأولى وقع بمصر مطر لم يسمع بمثله بحيث زاد النيل بسببه أربع أصابع، وتغير أياما. وفيه زادت دجلة ببغداد حتى غرقت ما حول بغداد وانحصر الناس بها ستة أيام لم تفتح أبوابها، وبقيت مثل السفينة في وسط البحر، وغرق خلق كثير من الفلاحين وغيرهم، وتلف للناس ما يعلمه إلا الله، وودع أهل البلد بعضهم بعضا، ولجأوا إلى الله تعالى وحملوا المصاحف على رؤوسهم في شدة الشوق في أنفسهم حتى القضاة والأعيان، وكان وقتا عجيبا، ثم لطف الله بهم فغيض الماء وتناقص، وتراجع الناس إلى ما كانوا عليه من أمورهم الجائرة وغير الجائرة، وذكر بعضهم أنه غرق بالجانب الغربي نحو من ستة آلاف وستمائة بيت، وإلى عشر سنين لا يرجع ما غرق.