فأراد الحر أن يحول بينهم وبين الحسين فمنعه الحسين من ذلك، فلما خلصوا إليه قال لهم:
أخبروني عن الناس وراءكم، فقال له مجمع بن عبد الله العامري أحد النفر الأربعة: أما أشراف الناس فهم إلب عليك، لأنهم قد عظمت رشوتهم وملئت غرائرهم، يستميل بذلك ودهم ويستخلص به نصيحتهم، فهم إلب واحد عليك، وأما سائر الناس فأفئدتهم تهوى إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك. قال: لهم: فهل لكم برسولي علم؟ قالوا: ومن رسولك؟
قال: قيس بن مسهر الصيداوي. قالوا: نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد وأباه، ودعا الناس إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك فأمر به فألقي من رأس القصر فمات، فترقرقت عينا الحسين، وقرأ قوله تعالى: * (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) * الآية [الأحزاب: 23].
ثم قال: اللهم اجعل منازلهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك، ورغائب مدخور ثوابك. ثم إن الطرماح بن عدي قال للحسين: أنظر فما معك؟ لا أرى معك أحدا إلا هذه الشرذمة اليسيرة، وإني لارى هؤلاء القوم الذين يسايرونك أكفاء لمن معك، فكيف وظاهر الكوفة مملوء بالخيول والجيوش يعرضون ليقصدونك، فأنشدك الله، إن قدرت أن لا تتقدم إليهم شبرا فافعل، فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به من ملوك غسان وحمير، ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر (1)، والله إن دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى أنزلك القرية، ثم تبعث إلى الرجال من بأجأ وسلمى من طئ، ثم أقم معنا ما بدا لك، فأنا زعيم بعشرة (2) آلاف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم، والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف. فقال له الحسين: جزاك الله خيرا، فلم يرجع عما هو بصدده، فودعه الطرماح، ومضى الحسين، فلما كان من الليل أمر فتيانه أن يستقوا من الماء كفايتهم، ثم سرى فنعس في مسيره حتى خفق برأسه، واستيقظ وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين. ثم قال: رأيت فارسا على فرس وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، فلما طلع الفجر صلى بأصحابه وعجل الركوب ثم تياسر في مسيره حتى انتهى إلى نينوى (3)، فإذا راكب (4) متنكب قوسا قد قدم من الكوفة، فسلم على الحر بن يزيد ولم يسلم على الحسين، ودفع إلى الحر كتابا من ابن زياد ومضمونه: أن يعدل بالحسين في السير إلى العراق في غير قرية ولا