فقالت: إنك بي لبار، فقال: يكفيني هذا عند الله، وغدا لي ولحجر موقف بين يدي الله عز وجل. وفي رواية أنه قال: إنما قتله الذين شهدوا عليه. وروى ابن جرير: أن معاوية جعل يغرغر بالموت وهو يقول: إن يومي بك يا حجر بن عدي لطويل، قالها ثلاثا. فالله أعلم.
وقال محمد بن سعد في الطبقات: ذكر بعض أهل العلم أن حجرا وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخيه هانئ بن عدي، - وكان من أصحاب علي - فلما قدم زياد بن أبي سفيان واليا على الكوفة دعا بحجر بن عدي فقال: تعلم أني أعرفك وقد كنت أنا وأباك (1) على أمر قد علمت - يعني من حب علي - وأنه قد جاء غير ذلك، وإني أنشدك الله أن تقطر لي من دمك قطرة فأستفرغه كله، أملك عليك لسانك، وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك، وحوائجك مقضية لدي، فاكفني نفسك فإني أعرف عجلتك، فأنشدك الله في نفسك، وإياك (2) وهذه السقطة وهؤلاء السفهاء أن يستنزلوك عن رأيك. فقال حجر: قد فهمت، ثم انصرف إلى منزله، فأتاه الشيعة فقالوا: ما قال لك؟ قال: قال لي كذا وكذا. وسار زياد إلى البصرة ثم جعلوا يترددون إليه يقولون له: أنت شيخنا، وإذا جاء المسجد مشوا معه، فأرسل إليه عمرو بن حريث - نائب زياد على الكوفة - يقول: ما هذه الجماعة وقد أعطيت الأمير ما قد علمت؟ فقال للرسول: إنهم ينكرون ما أنتم عليه، إليك وراءك أوسع لك. فكتب عمرو بن حريث إلى زياد: إن كان لك حاجة بالكوفة فالعجل العجل، فأعجل زياد السير إلى الكوفة، فلما وصل بعث إليه عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله البجلي، وخالد بن عرفطة في جماعة من أشراف الكوفة لينهوه عن هذه الجماعة، فأتوه فجعلوا يحدثونه ولا يرد عليهم شيئا، بل جعل يقول: يا غلام أعلفت البكر؟ لبكر مربوط في الدار - فقال له عدي بن حاتم: أمجنون أنت؟ نكلمك وأنت تقول: أعلفت البكر، ثم قال عدي لأصحابه: ما كنت أظن هذا البائس بلغ به الضعف كل ما أرى. ثم نهضوا فأخبروا زيادا ببعض الخبر وكتموه بعضا، وحسنوا أمره وسألوه الرفق به فلم يقبل، بل بعث إليه الشرط والمحاربة فأتي به وبأصحابه، فقال له: مالك ويلك؟ قال: إني على بيعتي لمعاوية، فجمع زياد سبعين من أهل الكوفة فقال: اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه، ففعلوا، ثم أوفدهم إلى معاوية، وبلغ الخبر عائشة فأرسلت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم، فلما دخلوا على معاوية قرأ كتاب زياد فقال معاوية: اخرجوا بهم إلى عذراء فاقتلوهم هناك، فذهبوا بهم ثم قتلوا منهم سبعة، ثم جاء رسول معاوية بالتخلية عنهم، وأن يطلقوهم كلهم، فوجدوا قد قتلوا منهم سبعة وأطلقوا السبعة الباقين، ولكن كان حجر فيمن قتل في السبعة