ألفا: وأنه نصب المنجنيق على أبي قبيس ليرمي به المسجد الحرام، وأنه أمن من خرج إليه من أهل مكة ونادى فيهم بذلك، وقال: إنا لم نأت لقتال أحد سوى ابن الزبير، وأنه خير ابن الزبير بين ثلاث إما أن يذهب في الأرض حيث شاء، أو يبعثه إلى الشام مقيدا بالحديد، أو يقاتل حتى يقتل. فشاور أمه فأشارت عليه بالثالث فقط، ويروى أنها استدعت بكفن له وبخرته وشجعته على القتل، فخرج بهذه النية فقاتل يوم الثلاثاء السابع عشر من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين قتالا شديدا فجاءته آجرة ففلقت رأسه فسقط على وجهه إلى الأرض، ثم أراد أن ينهض فلم يقدر، فاتكأ على مرفقه الأيسر وجعل يحدم بالسيف من جاءه، فأقبل إليه رجل من أهل الشام فضربه فقطع رجله، ثم تكاثروا عليه حتى قتلوه واحتزوا رأسه، وكان مقتله قريبا من الحجون، ويقال: بل قتل وهو متعلق بأستار الكعبة فالله أعلم. ثم صلبه الحجاج منكسا على ثنية كدا عند الحجون، ثم لما أنزله دفنه في مقابر اليهود كما رواه مسلم، وقيل دفن بالحجون بالمكان الذي صلب فيه، فالله أعلم. وقال عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب عن ابن سيرين قال قال عبد الله بن الزبير لما جئ برأس المختار: ما كان يحدثنا كعب الأحبار شيئا إلا وجدناه إلا قوله إن فتى ثقيف يقتلني، وهذا رأسه بين يدي، قال ابن سيرين: ولم يشعر أنه قد خبئ له الحجاج.
وروي هذا من وجه آخر. قلت: والمشهور أن مقتل الزبير كان في سنة ثلاث وسبعين يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى، وقيل الآخرة منها، وعن مالك وغيره أن مقتله كان على رأس اثنين وسبعين، والمشهور الصحيح هو الأول، وكانت بيعته في سابع رجب سنة أربع وستين، وكان مولده في أول سنة إحدى من الهجرة، وقيل في شوال سنة ثنتين من الهجرة، فمات وقد جاوز السبعين قطعا والله أعلم.
وأما أمه فإنها لم تعش بعده إلا مائة يوم، وقيل عشرة أيام، وقيل خمسة، والأول هو المشهور وستأتي ترجمتها قريبا رضي الله عنها وعن أبيها وابنها، وقد رثي ابن الزبير وأخوه مصعب بمراث كثيرة حسنة بليغة، من ذلك قول معمر بن أبي معمر الذهلي يرثيهما بأبيات:
لعمرك ما أبقيت في الناس حاجة * ولا كنت ملبوس الهدى متذبذبا غداة دعاني مصعب فأجبته * وقلت له أهلا وسهلا ومرحبا أبوك حواري الرسول وسيفه * فأنت بحمد الله من خيرنا أبا وذاك أخوك المهتدى بضيائه * بمكة يدعونا دعاء مثوبا ولم أك ذا وجهين وجه لمصعب * مريض ووجه لابن مروان إذ صبا وكنت امرأ ناصحته غير مؤثر * عليه ابن مروان ولا متقربا إليه بما تقذى به عين مصعب * ولكنني ناصحت في الله مصعبا إلى أن رمته الحادثات بسهمها * فيالله سهما ما أسد وأصوبا فان يك هذا الدهر أردى بمصعب * وأصبح عبد الله شلوا ملحبا