انزعه فنزعه وجعل يلبس بقية ثيابه ويتشدد وهي تقول: شمر ثيابك، وجعل يتحفظ من أسفل ثيابه لئلا تبدو عورته إذا قتل، وجعلت تذكره بأبيه الزبير، وجده أبي بكر الصديق، وجدته صفية بنت عبد المطلب، وخالته عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجيه القدوم عليهما إذا هو قتل شهيدا، ثم خرج من عندها فكان ذلك آخر عهده بها رضي الله عنهما وعن أبيه وأبيها.
قالوا: وكان يخرج من باب المسجد الحرام وهناك خمسمائة فارس وراجل فيحمل عليهم فيتفرقون عنه يمينا وشمالا، ولا يثبت له أحد وهو يقول:
إني إذا أعرف يومي أصبر (1) * إذ بعضهم يعرف ثم ينكر وكانت أبواب الحرم قد قل من يحرسها من أصحاب ابن الزبير، وكان لأهل حمص حصار الباب الذي يواجه باب الكعبة، ولأهل دمشق باب بني شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب بنى جمح، ولأهل قنسرين باب بني سهم (2)، وعلى كل باب قائد ومعه أهل تلك البلاد، وكان الحجاج وطارق بن عمرو في ناحية الأبطح، وكان ابن الزبير لا يخرج على أهل الباب إلا فرقهم وبدد شملهم، وهو غير ملبس حتى يخرجهم إلى الأبطح ثم يصيح:
لو كان قرني واحدا كفيته فيقول ابن صفوان وأهل الشام أيضا: إي والله وألف رجل، ولقد كان حجر المنجنيق يقع على طرف ثوبه فلا ينزعج بذلك، ثم يخرج إليهم فيقاتلهم كأنه أسد ضاري، حتى جعل الناس يتعجبون من إقدامه وشجاعته، فلما كان ليلة الثلاثاء السابع عشر من جمادى الأولى من هذه السنة بات ابن الزبير يصلي طول ليلته ثم جلس فاحتبى بحميلة سيفه فأغفى ثم انتبه مع الفجر على عادته، ثم قال: أذن يا سعد، فأذن عند المقام، وتوضأ ابن الزبير ثم صلى ركعتي الفجر، ثم أقيمت الصلاة فصلى الفجر، ثم قرأ سورة ن حرفا حرفا (3)، ثم سلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اكشفوا وجوهكم حتى أنظر إليكم، فكشفوا وجوههم وعليهم المغافر، فحرضهم وحثهم على القتال والصبر، ثم نهض ثم حمل وحملوا حتى كشفوهم إلى الحجون فجاءته آجرة فأصابته في وجهه فارتعش لها (4)، فلما وجد سخونة الدم يسيل على وجهه تمثل بقول بعضهم: