منها ابن الزبير والحسين بن علي فقصدا مكة فأقاما بها، ثم خرج الحسين إلى العراق وكان من أمره ما تقدم، وتفرد بالرياسة والسؤدد بمكة ابن الزبير، ولهذا كان ابن عباس ينشد:
يا لك من قنبرة (1) بمعمري * خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري يعرض بابن الزبير. وقيل إن يزيد بن معاوية كتب إلى ابن الزبير يقول: إني قد بعثت إليك بسلسلة من فضة وقيد من ذهب وجامعة من فضة وحلفت لتأتيني في ذلك فأبر قسمي ولا تشق العصا، فلما قرأ كتابه ألقاه من يده وقال:
ولا ألين لغير الحق أسأله * حتى تلين لضرس الماضغ الحجر فلما مات يزيد بن معاوية وابنه معاوية بن يزيد من بعده قريبا، استفحل أمر عبد الله بن الزبير جدا، وبويع له بالخلافة في جميع البلاد الاسلامية، وبايع له الضحاك بن قيس بدمشق وأعمالها، ولكن عارضه مروان بن الحكم في ذلك وأخذ الشام ومصر من نواب ابن الزبير، ثم جهز السرايا إلى العراق، ومات وتولى بعده عبد الملك بن مروان فقتل مصعب بن الزبير بالعراق وأخذها، ثم بعث إلى الحجاج فحاصر ابن الزبير بمكة قريبا من سبعة أشهر حتى ظفر به في يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين.
وكانت ولاية ابن الزبير في سنة أربع وستين، وحج بالناس فيها كلها، وبنى الكعبة في أيام ولايته كما تقدم، وكساها الحرير (2)، وكانت كسوتها قبل ذلك الأنطاع والمسوح (3)، وكان ابن الزبير عالما عابدا مهيبا وقورا كثير الصيام والصلاة، شديد الخشوع جيد السياسة، قال أبو نعيم الأصبهاني: حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، ثنا أحمد بن سعيد الدارمي، ثنا أبو عاصم عن عمر بن قيس. قال: كان لابن الزبير مائة غلام يتكلم كل غلام منهم بلغة غير لغة الآخر، وكان ابن الزبير يكلم كل واحد منهم بلغته، وكنت إذا نظرت إليه في أمر دنياه قلت: هذا رجل لم يرد الله والدار الآخرة طرفة عين، وإذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت: هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين. وقال الثوري: عن الأعمش عن أبي الضحى قال: