الحسين وعائشة بنت طلحة وأمه الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وابنه ريان بن أنيف الكلبي، سيد ضاحية العرب وولي العراقين خمس سنين فأصاب ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف، مع ما لنفسه من الأموال وملك غير ذلك من الأثاث والدواب والأموال ما لا يحصى، وأعطى مع هذا الأمان وأن يسلم هذا له جميعه مع الحياة فزهد في هذا كله وأبى واختار القتل على مقام ذل، ومفارقة هذا كله ومشى بسيفه فقاتل حتى مات، وذلك بعد خذلان أصحابه له، فذلك مصعب بن الزبير رحمه الله، وليس هو كمن قطع الجسور مرة ههنا ومرة ههنا. فهذا هو الرجل وهذا هو الزهد. قالوا: وكان مقتله يوم الخميس للنصف من جمادى الأولى سنة ثنتين وسبعين.
وقال الزبير بن بكار: حدثني فليح بن إسماعيل وجعفر بن أبي بشير عن أبيه. قال: لما وضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك قال:
لقد أردى الفوارس يوم عبس * غلام غير مناع المتاع ولا فرح بخير إن أتاه * ولا هلع من الحدثان لاع ولا رقابة والخيل تعدو * ولا خال كانبوب اليراع فقال الرجل الذي جاء برأسه: والله يا أمير المؤمنين لو رأيته والرمح في يده تارة والسيف تارة يفري بهذا ويطعن بهذا، لرأيت رجلا يملا القلب والعين شجاعة، لكنه لما تفرقت عنه رجاله وكثر من قصده وبقي وحده ما زال ينشد:
وإني على المكروه عند حضوره * أكذب نفسي والجفون فلم تغض وما ذاك من ذل ولكن حفيظة * أذب بها عند المكارم عن عرضي وإني لأهل الشر بالشر مرصد * وإني لذي سلم أذل من الأرض فقال عبد الملك: كان والله كما وصف به نفسه وصدق، ولقد كان من أحب الناس إلي، وأشدهم لي ألفة ومودة، ولكن الملك عقيم. وروى يعقوب بن سفيان: عن سليمان بن حرب، عن غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد: أن عبيد الله بن زياد بن ظبيان قتل مصعبا عند دير الجاثليق على شاطئ نهر يقال له دجيل، من أرض مسكن، واحتز رأسه فذهب به إلى عبد الملك فسجد شكرا لله، وكان ابن ظبيان فاتكا رديئا وكان يقول: ليتني قتلت عبد الملك حين سجد يومئذ فأكون قد قتلت ملكي العرب، قال يعقوب: وكان ذلك سنة ثنتين وسبعين فالله أعلم. وحكى الزبير بن بكار في عمره يوم قتل ثلاثة أقوال، أحدهما خمس وثلاثون سنة والثاني أربعون سنة، والثالث خمس وأربعون سنة فالله أعلم.
وروى الخطيب البغدادي أن امرأته سكينة بنت الحسن كانت معه في هذه الوقعة فلما قتل