عليه، وقال سعيد بن المسيب: خطباء الناس في الجاهلية الأسود بن عبد المطلب، وسهيل بن عمرو، وخطباء الناس في الاسلام معاوية وابنه، وسعيد بن العاص وابنه، وعبد الله بن الزبير.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا حماد، ثنا علي بن زيد، أخبرني من سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية حتى يسيل رعافه " قال: فأخبرني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سال رعافه (1). وهو الذي كان يبعث البعوث إلى مكة بعد وقعة الحرة أيام يزيد بن معاوية لقتال ابن الزبير، فنهاه أبو شريح الخزاعي وذكر له الحديث الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم مكة، فقال: نحن أعلم بذلك منك يا شريح، إن الحرام لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم، ولا فارا بجزية، الحديث كما تقدم وهو في الصحيحين. ثم إن مروان دخل إلى مصر بعدما دعا إلى نفسه واستقر له الشام، ودخل معه عمرو بن سعيد ففتح مصر، وقد كان وعد عمرا أن يكون ولي العهد من بعد عبد الملك، وأن يكون قبل ذلك نائبا بدمشق، فلما قويت شوكة مروان رجع عن ذلك، وجعل الامر من بعد ذلك لولده عبد العزيز، وخلع عمرا. فما زال ذلك في نفسه حتى كان من أمره ما تقدم، فدخل عمرو دمشق وتحصن بها وأجابه أهلها، فحاصره عبد الملك ثم استنزله على أمان صوري، ثم قتله كما قدمنا.
وكان ذلك في هذه السنة على المشهور عند الأكثرين، وقال الواقدي وأبو سعيد بن يونس سنة سبعين فالله أعلم. ومن الغريب ما ذكره هشام بن محمد الكلبي بسند له أن رجلا سمع في المنام قائلا يقول على سور دمشق قبل أن يخرج عمرو بالكلية، وقبل قتله بمدة هذه الأبيات:
ألا يا قوم للسفاهة والوهن * وللفاجر الموهون والرأي الأفن ولا بن سعيد بينما هو قائم * على قدميه خر للوجه والبطن رأى الحصن منجاة من الموت فالتجا * إليه فزارته المنية في الحصن قال: فأتى الرجل عبد الملك فأخبره فقال: ويحك سمعها منك أحد؟ قال: لا! قال:
فضعها تحت قدميك، قال: ثم بعد ذلك خلع عمرو الطاعة وقتله عبد الملك بن مروان، وقد قيل إن عبد الملك لما حاصره راسله وقال: أنشدك الله والرحم أن تدع أمر بيتك وما هم عليه من اجتماع الكلمة فإن فيما صنعت قوة لابن الزبير علينا، فارجع إلى بيعتك ولك علي عهد الله وميثاقه، وحلف له بالايمان المؤكدة أنك ولي عهدي من بعدي، وكتبا بينهما كتابا، فانخدع له عمرو وفتح له أبواب دمشق فدخلها عبد الملك وكان من أمرها ما تقدم.