مس الدرع فضحك وقال: أدارع أيضا؟ إن كنت معدا، يا غلام ائتني بالصمصامة، فأتاه بسيفه ثم أمر بعمرو فصرع (1) ثم جلس على صدره فذبحه وهو يقول:
يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي * أضربك حتى (2) تقول الهامة أسقوني قالوا: وانتقض عبد الملك بعدما ذبحه كما تنتقض القصبة برعدة شديدة جدا، بحيث إنهم ما رفعوه عن صدره إلا محمولا، فوضعوه على سريره وهو يقول: ما رأيت مثل هذا قط قبله (3) صاحب دنيا ولا آخرة، ودفع الرأس إلى عبد الرحمن بن أم الحكم فخرج إلى الناس فألقاه بين أظهرهم، وخرج عبد العزيز بن مروان ومعه البدر من الأموال تحمل، فألقيت بين الناس فجعلوا يختطفونها، ويقال: إنها استرجعت بعد ذلك من الناس إلى بيت المال، ويقال إن الذي ولي قتل عمرو بن سعيد مولى عبد الملك أبو الزعيزعة بعدما خرج عبد الملك إلى الصلاة فالله أعلم. وقد دخل يحيى بن سعيد - أخو عمرو بن سعيد - دار الامارة بعد مقتل أخيه بمن معه فقام إليهم بنو مروان فاقتتلوا، وجرح جماعات من الطائفتين، وجاءت يحيى بن سعيد صخرة في رأسه أشغلته عن نفسه وعن القتال، ثم إن عبد الملك بن مروان خرج إلى المسجد الجامع فصعد المنبر فجعل يقول: ويحكم أين الوليد؟ وأبيهم لئن كانوا قتلوه لقد أدركوا ثأرهم، فأتاه إبراهيم بن عدي (4) الكناني فقال: هذا الوليد عندي قد أصابته جراحة وليس عليه بأس، ثم أمر عبد الملك بيحيى بن سعيد أن يقتل فتشفع فيه أخوه عبد العزيز بن مروان، وفي جماعات آخرين معه كان عبد الملك قد أمر بقتلهم، فشفعه فيهم وأمر بحبسه فحبس شهرا، ثم سيره وبني عمرو بن سعيد وأهليهم إلى العراق فدخلوا على مصعب بن الزبير فأكرمهم وأحسن إليهم، ثم لما انعقدت الجماعة لعبد الملك بعد مقتل ابن الزبير، وفدوا عليه فكاد يقتلهم فتلطف بعضهم في العبارة حتى رق لهم رقة شديدة، فقال لهم عبد الملك: إن أباكم خيرني بين أن يقتلني أو أقتله، فاخترت قتله على قتلي، وأما أنتم فما أرغبني فيكم وأوصلني لقرابتكم وأرعاني لحقكم فأحسن جائزتهم وقربهم، وقد كان عبد الملك بعث إلى امرأة عمرو بن سعيد أن ابعثي إلي بكتاب الأمان الذي كنت كتبته لعمرو، فقالت: إني دفنته معه ليحاكمك به يوم القيامة عند الله. وقد كان مروان بن الحكم وعد عمرو بن سعيد هذا أن يكون ولي العهد من بعد ولده عبد الملك، كلاما مجردا، فطمع في ذلك وقويت نفسه بسبب ذلك، وكان عبد الملك يبغضه بغضا شديدا من حال الصغر، ثم كان هذا صنيعه إليه في الكبر. قال ابن جرير: وذكر أن خالد بن يزيد بن معاوية قال لعبد الملك ذات يوم: عجب منك ومن عمرو بن سعيد كيف أصبت غرته حتى قتلته؟ فقال: