كعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش الذي قتلوا الحسين وشمر بن ذي الجوشن أمير الألف الذين ولوا قتل الحسين، وسنان بن أبي أنس، وخولي بن يزيد الأصبحي، وخلق غير هؤلاء، وما زال حتى بعث سيف نقمته إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفا إلى ابن زياد، وكان ابن زياد حين التقاه في جيش أعظم من جيشه - في أضعاف مضاعفة - كانوا ثمانين ألفا، وقيل ستين ألفا، فقتل ابن الأشتر ابن زياد وكسر جيشه، واحتاز ما في معسكره، ثم بعث برأس ابن زياد ورؤوس أصحابه مع البشارة إلى المختار، ففرح بذلك فرحا شديدا، ثم إن المختار بعث برأس ابن زياد ورأس حصين بن نمير ومن معهما إلى ابن الزبير بمكة فأمر ابن الزبير بها فنصبت على عقبة الحجون.
وقد كانوا نصبوها بالمدينة، وطابت نفس المختار بالملك، وظن أنه لم يبق له عدو ولا منازع، فلما تبين ابن الزبير خداعه ومكره وسوء مذهبه، بعث أخاه مصعبا أميرا على العراق، فساروا إلى البصرة فجمع العساكر فما تم سرور المختار حتى سار إليه مصعب بن الزبير من البصرة في جيش هائل فقتله واحتز رأسه وأمر بصلب كفه على باب المسجد، وبعث مصعب برأس المختار مع رجل من الشرط على البريد (1)، إلى أخيه عبد الله بن الزبير، فوصل مكة بعد العشاء فوجد عبد الله يتنفل، فما زال يصلي حتى أسحر ولم يلتفت إلى البريد الذي جاء بالرأس، فلما كان قريب الفجر قال: ما جاء بك؟ فألقى إليه الكتاب فقرأه، فقال: يا أمير المؤمنين معي الرأس، فقال:
ألقه على باب المسجد، فألقاه ثم جاء فقال: جائزتي يا أمير المؤمنين، فقال: جائزتك الرأس الذي جئت به تأخذه معك إلى العراق.
ثم زالت دولة المختار كأن لم تكن، وكذلك سائر الدول، وفرح المسلمون بزوالها، وذلك لان الرجل لم يكن في نفسه صادقا، بل كان كاذبا يزعم أن الوحي يأتيه على يد جبريل. قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير، حدثنا عيسى القارئ، أبو عمير بن السدي، عن رفاعة القبابي قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة وقال: لولا أن أخي جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه قال فذكرت حديثا حدثنيه أخي عمرو بن الحمق، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله فأنا من القاتل برئ " (2). وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن حماد بن سلمة، حدثني عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد. قال: كنت أقوم على رأس المختار فلما عرفت كذبه هممت أن أسل سيفي فأضرب عنقه، فذكرت حديثا حدثناه عمرو بن الحمق. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أمن رجلا على نفسه فقتله أعطي لواء غدر يوم القيامة " (3) ورواه النسائي وابن ماجة من غير وجه