جبته، فضربه أبو عمرة بالسيف حتى قتله، وجاء برأسه في أسفل قبائه حتى وضعه بين يدي المختار، فقال المختار، لابنه حفص - وكان جالسا عند المختار - فقال: أتعرف هذا الرأس؟
فاسترجع وقال: نعم ولا خير في العيش بعده، فقال: صدقت، ثم أمر فضربت عنقه ووضع رأسه مع رأس أبيه، ثم قال المختار: هذا بالحسين وهذا بعلي بن الحسين الأكبر، ولا سواء، والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله. ثم بعث المختار برأسيهما إلى محمد بن الحنفية، وكتب إليه كتابا في ذلك:
بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد بن علي من المختار بن أبي عبيد، سلام عليك أيها المهدي فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن الله بعثني نقمة على أعدائكم فهم بين قتيل وأسير وطريد وشريد، فالحمد لله الذي قتل قاتلكم، ونصر مؤازركم، وقد بعثت إليك برأس عمر بن سعد وابنه وقد قتلنا ممن اشترك في دم الحسين وأهل بيته كل من قدرنا عليه، ولن يعجز الله من بقي، ولست بمنحجم عنهم حتى يبلغني أنه لم يبق على وجه الأرض منهم أحد، فاكتب إلي أيها المهدي برأيك أتبعه وأكون عليه، والسلام عليك أيها المهدي ورحمة الله وبركاته. ولم يذكر ابن جرير أن محمد بن الحنفية رد جوابه، مع أن ابن جرير قد تقصى هذا الفصل وأطال شرحه، ويظهر من غبون كلامه قوة وجده به وغرامه، ولهذا توسع في إيراده بروايات أبي مخنف لوط بن يحيى، وهو متهم فيما يرويه، ولا سيما في باب التشيع، وهذا المقام للشيعة فيه غرام وأي غرام، إذ فيه الاخذ بثأر الحسين وأهله من قتلتهم، والانتقام منهم، ولا شك أن قتل قتلته كان متحتما، والمبادرة إليه كان مغنما، ولكن إنما قدره الله على يد المختار الكذاب الذي صار بدعواه إتيان الوحي إليه كافرا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " (1). وقال تعالى في كتابه الذي هو أفضل ما يكتبه الكاتبون * (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) * [الانعام: 129] وقال بعض الشعراء:
وما من يد إلا يد الله فوقها * ولا ظالم إلا سيبلى بظالم وسيأتي في ترجمة المختار ما يدل على كذبه وافترائه، وادعائه نصرة أهل البيت، وهو في نفس الامر متستر بذلك ليجمع عليه رعاعا من الشيعة الذين بالكوفة. ليقيم لهم دولة ويصول بهم ويجول على مخالفيه صولة.
ثم إن الله تعالى سلط عليه من انتقم منه، وهذا هو الكذاب الذي قال فيه الرسول في حديث أسماء بنت الصديق: " إنه سيكون في ثقيف كذاب ومبير " (2). فهذا هو الكذاب وهو