معاوية واضطراب أهل العراق، نقم على ابن الزبير في بعض الامر (1) وخرج من الحجاز فقصد الكوفة فدخلها في يوم الجمعة والناس يتهيئون للصلاة، فجعل لا يمر بملا إلا سلم عليه وقال:
أبشروا بالنصر. ودخل المسجد فصلى إلى سارية هنالك حتى أقيمت الصلاة، ثم صلى من بعد الصلاة حتى صليت العصر، ثم انصرف فسلم عليه الناس وأقبلوا إليه وعليه وعظموه، وجعل يدعو إلى إمامة المهدي محمد بن الحنفية، ويظهر الانتصار لأهل البيت، وأنه ما جاء إلا بصدد أن يقيم شعارهم، ويظهر منارهم، ويستوفي ثأرهم، ويقول للناس الذين اجتمعوا على سليمان بن صرد من الشيعة - وقد خشي أن يبادروا إلى الخروج مع سليمان - فجعل يخذلهم ويستميلهم إليه ويقول لهم: إني قد جئتكم من قبل ولي الأمر، ومعدن الفضل، ووصي الرضى (2)، والإمام المهدي ، بأمر فيه الشفاء، وكشف الغطاء، وقتل الأعداء، وتمام النعماء، وأن سليمان بن صرد يرحمنا الله وإياه إنما هو غشمة من الغشم، وشن بال ليس بذي تجربة للأمور، ولا له علم بالحروب، إنما يريد أن يخرجكم فيقتل نفسه ويقتلكم، وإني إنما أعمل على مثل مثل لي، وأمر قد بين لي، فيه عز وليكم، وقتل عدوكم، وشفاء صدوركم، فاسمعوا مني وأطيعوا أمري، ثم أبشروا وتباشروا، فإني لكم بكل ما تأملون وتحبون كفيل. فالتف عليه خلق كثير من الشيعة، ولكن الجمهور منهم مع سليمان بن صرد، فلما خرجوا مع سليمان إلى النخيلة (3) قال عمر بن سعد بن أبي وقاص وشبث بن ربعي وغيرهما لعبد الله بن يزيد (4) نائب الكوفة: إن المختار بن أبي عبيد أشد عليكم من سليمان بن صرد، فبعث إليه الشرط فأحاطوا بداره فأخذ فذهب به إلى السجن مقيدا، وقيل بغير قيد، فأقام به مدة ومرض فيه. قال أبو مخنف: فحدثني يحيى بن أبي عيسى أنه قال: دخلت إليه مع حميد بن مسلم الأزدي نعوده ونتعاهده. فسمعته يقول: أما ورب البحار، والنخيل والأشجار، والمهامه والقفار، والملائكة الأبرار، والمصلين (5) الأخيار، لأقتلن كل جبار، بكل لدن جثار خطار، ومهند بتار، بجند من الأخيار، وجموع من الأنصار، ليسوا بميل الأغمار، ولا بعزل أشرار، حتى إذا أقمت عمود الدين، وجبرت صدع المسلمين، وشفيت غليل صدور المؤمنين، وأدركت ثأر أولاد النبيين، لم أبك على زوال الدنيا، ولم أحفل بالموت إذا دنا. قال: وكان كلما أتيناه وهو في السجن يردد علينا هذا القول حتى خرج.