ثم أشار عبيد الله على مروان أن يدعوهم إلى الموادعة خديعة فإن الحرب خدعة، وأنت وأصحابك على الحق، وهم على الباطل، فنودي في الناس بذلك، ثم غدر أصحاب مروان فمالوا يقتلونهم قتالا شديدا، وصبر الضحاك صبرا بليغا، فقتل الضحاك بن قيس في المعركة، قتله رجل يقال له زحمة (1) بن عبد الله من بني كلب، طعنه بحربة فأنفذه ولم يعرفه. وصبر مروان وأصحابه صبرا شديدا حتى فر أولئك بين يديه، فنادى مروان: ألا لا تتبعوا مدبرا، ثم جئ برأس الضحاك، ويقال إن أول من بشره بقتله روح بن زنباع الجذامي، واستقر ملك الشام بيد مروان بن الحكم.
وروي أنه بكى على نفسه يوم مرج راهط، فقال: أبعد ما كبرت وضعفت صرت إلى أن أقتل بالسيوف على الملك؟.
قلت: ولم تطل مدته في الملك إلا تسعة أشهر (2) على ما سنذكره.
وقد كان الضحاك بن قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان (3) بن محارب بن فهر بن مالك، أبو أنيس الفهري أحد الصحابة على الصحيح، وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أحاديث عدة، وروى عنه جماعة من التابعين، وهو أخو فاطمة بنت قيس وكانت أكبر منه بعشر سنين، وكان أبو عبيدة بن الجراح عمه. حكاه ابن أبي حاتم. وزعم بعضهم أنه لا صحبة له، وقال الواقدي: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه قبل البلوغ. وفي رواية عن الواقدي أنه قال: ولد الضحاك قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. وقد شهد فتح دمشق وسكنها وله بها دار عند حجر الذهب مما يلي نهر بردا، وكان أميرا على أهل دمشق يوم صفين مع معاوية، ولما أخذ معاوية الكوفة استنابه بها في سنة أربع وخمسون وقد روى البخاري في التاريخ: أن الضحاك قرأ سورة ص في الصلاة فسجد فيها فلم يتابعه علقمة وأصحاب ابن مسعود في السجود. ثم استنابه معاوية عنده على دمشق فلم يزل عنده حتى مات معاوية وتولى ابنه يزيد، ثم ابن ابنه معاوية بن يزيد، ثم صار أمره إلى ما ذكرنا.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة أنبأنا علي بن زيد، عن الحسن أن الضحاك بن قيس كتب إلى الهيثم حين مات يزيد بن معاوية: السلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم، فتنا كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا