مولى زياد (1) وسالم مولى عبيد الله، فقالا: من يبارز؟ فبرز لهما عبيد الله بن عمر (2) الكلبي بعد استئذانه الحسين فقتل يسارا أولا ثم قتل سالما بعده، وقد ضربه سالم ضربة أطار أصابع يده اليسرى، وحمل رجل يقال له عبد الله بن حوزة حتى وقف بين يدي الحسين فقال له: يا حسين أبشر بالنار! فقال له الحسين: كلا ويحك إني أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع، بل أنت أولى بالنار. قالوا: فانصرف فوقصته فرسه فسقط وتعلقت قدمه بالركاب، وكان الحسين قد سأل عنه فقال: أنا ابن حوزة، فرفع الحسين يده وقال: اللهم حزه إلى النار، فغضب ابن حوزة وأراد أن يقحم عليه الفرس وبينه وبينه نهر، فحالت به الفرس فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقي جانبه الآخر متعلقا بالركاب، وشد عليه مسلم بن عوسجة فضربه فأطار رجله اليمنى، وغارت به فرسه فلم يبق حجر يمر به إلا ضربه في رأسه حتى مات.
وروى أبو مخنف عن أبي جناب قال: كان منا رجل يدعى عبد الله بن نمير (2) من بني عليم، كان قد نزل الكوفة واتخذ دارا عند بئر الجعد من همدان، وكانت معه امرأة له من النمر بن قاسط، فرأى الناس يتهيئون للخروج إلى قتال الحسين، فقال: والله لقد كنت على قتال أهل الشرك حريصا، وإني لأرجو أن يكون جهادي مع ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهؤلاء أفضل من جهاد المشركين، وأيسر ثوابا عند الله، فدخل إلى امرأته فأخبرها بما هو عازم عليه، فقالت: أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك، افعل وأخرجني معك. قال: فخرج بها ليلا حتى أتى الحسين، ثم ذكر قصة رمي عمر بن سعد بالسهم، وقصة قتله يسار مولى زياد، وسالم مولى ابن زياد، وأن عبد الله بن عمير استأذن الحسين في الخروج إليهما فنظر إليه الحسين، فرأى رجلا آدم طويلا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين، فقال الحسين: إني لأحسبه للأقران قتالا، اخرج إن شئت، فخرج فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك إلا هو خير منكما، ثم شد على يسار فكان كأمس الذاهب، فإنه لمشتغل به إذ حمل عليه سالم مولى ابن زياد فصاح به صائح قد رهقك العبد، قال: فلم ينتبه حتى غشيته فضربه على يده اليسرى فأطار أصابعه، ثم مال على الكلبي فضربه حتى قتله وأقبل يرتجز ويقول:
إن تنكراني فأنا ابن كلب * نسبي بيتي في عليم حسبي (3) إني امرؤ ذو مروءة وغضب * ولست بالخوار عند الكرب (4)