ليقتل عبيد الله إذا جاء يعودني، فبعثه إليه فقال له شريك: كن أنت في الخباء، فإذا جلس عبيد الله فإني أطلب الماء وهي إشارتي إليك، فاخرج فاقتله، فلما جاء عبيد الله جلس على فراش شريك وعنده هانئ بن عروة، وقام من بين يديه غلام يقال له مهران، فتحدث عنده ساعة ثم قال شريك: أسقوني، فتجبن مسلم عن قتله، وخرجت جارية بكوز من ماء فوجدت مسلما في الخباء فاستحيت ورجعت بالماء ثلاثا، ثم قال: أسقوني ولو كان فيه ذهاب نفسي أتحمونني من الماء؟ ففهم مهران الغدر فغمز مولاه فنهض سريعا وخرج، فقال شريك: أيها الأمير، إني أريد أن أوصي إليك، فقال: سأعود! فخرج به مولاه فأركبه وطرد به - أي ساق به - وجعل يقول له مولاه: إن القوم أرادوا قتلك فقال: ويحك إني بهم لرفيق. فما بالهم؟ وقال شريك لمسلم: ما منعك أن تخرج فتقتله؟ قال: حديث بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " الايمان ضد الفتك، لا يفتك مؤمن " (1) وكرهت أن أقتله في بيتك، فقال: أما لو قتلته لجلست في القصر لم يستعد منه أحد وليكفينك أمر البصرة، ولو قتلته لقتلت ظالما فاجرا، ومات شريك بعد ثلاث.
ولما انتهى ابن زياد إلى باب القصر وهو متلثم ظنه النعمان بن بشير الحسين قد قدم، فأغلق باب القصر وقال: ما أنا بمسلم إليك أمانتي، فقال له عبيد الله: افتح لافتحته، ففتح وهو يظنه الحسين، فلما تحقق أنه عبيد الله أسقط في يده، فدخل عبيد الله إلى قصر الامارة وأمر مناديا فنادى:
إن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين قد ولاني أمركم وثغركم وفيأكم، وأمرني بأنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، والاحسان إلى سامعكم ومطيعكم، والشدة على مريبكم وعاصيكم، وإنما أنا ممتثل فيكم أمره ومنفذ عهده، ثم نزل وأمر العرفاء أن يكتبوا من عندهم من الزورية (2) وأهل الريب والخلاف والشقاق، وأيما عريف لم يطلعنا على ذلك صلب أو نفي وأسقطت عرافته من الديوان - وكان هانئ أحد الامراء الكبار - ولم يسلم على عبيد الله منذ قدم وتمارض، فذكره عبيد الله وقال: ما بال هانئ لم يأتني مع الامراء؟ فقالوا: أيها الأمير إنه يشتكي، فقال: إنه بلغني أنه يجلس على باب داره. وزعم بعضهم أنه عاده قبل شريك بن الأعور وسلم بن عقيل عنده، وقد هموا بقتله فلم يمكنهم هانئ لكونه في داره، فجاء الامراء إلى هانئ بن عروة فلم يزالوا به حتى أدخلوه على عبيد الله بن زياد، فالتفت عبيد الله إلى القاضي شريح فقال متمثلا بقول الشاعر:
أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد فلما سلم هانئ على عبيد الله قال: يا هانئ أين مسلم بن عقيل؟ قال: لا أدري، فقام