نظاما، وفي أعلام الخير عظاما، يردع الله بهم الناكثين، ويجمع بهم الألفة بين المؤمنين، والله نستعين على إصلاح ما تشعث من أمور المسلمين، وتباعد بينهم بعد القرب والألفة، اللهم انصرنا على قوم يوقظون نائما، ويخيفون آمنا، ويريدون هراقة دمائنا، وإخافة سبلنا، وقد يعلم الله أنا لا نريد لهم عقابا، ولا نهتك لهم حجابا، غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوبا لن ننزعه طوعا ما جاوب الصدى، وسقط الندى، وعرف الهدى، وقد علمنا أن الذي حملهم على خلافنا البغي والحسد لنا، فالله نستعين عليهم. أيها الناس! قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأني خليفة أمير المؤمنين عثمان عليكم، وأني لم أقم رجلا منكم على خزائه قط، وإني ولي عثمان وابن عمه، قال الله تعالى في كتابه: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * [الاسراء: 33] وقد علمتم أنه قتل مظلوما، وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان.
فقال أهل الشام بأجمعهم: بل نطلب بدمه، فأجابوه إلى ذلك وبايعوه، ووثقوا له أن يبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم، أو يدركوا بثأره، أو يفني الله أرواحهم قبل ذلك، فلما رأى جرير من طاعة أهل الشام لمعاوية ما رأى، أفزعه ذلك، وعجب منه. وقال معاوية لجرير: إن ولاني علي الشام ومصر بايعته على أن لا يكون لاحد بعده على بيعة، فقال: اكتب إلى علي بما شئت، وأنا أكتب معك، فلما بلغ عليا الكتاب قال: هذه خديعة، وقد سألني المغيرة بن شعبة أن أولي معاوية الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك * (وما كنت متخذ المضلين عضدا) * [الكهف: 51] ثم كتب إلى جرير بالقدوم عليه، فما قدم إلا وقد اجتمعت العساكر إلى علي، وكتب معاوية إلى عمرو بن العاص - وكان معتزلا بفلسطين حين قتل عثمان - وكان عثمان قد عزله عن مصر فاعتزل بفلسطين، فكتب إليه معاوية يستدعيه ليستشيره في أموره فركب إليه فاجتمعا على حرب علي.
وقد قال (1) عقبة بن أبي معيط في كتاب معاوية إلى علي حين سأله نيابة الشام ومصر، فكتب إلى معاوية يؤنبه ويلومه على ذلك ويعرض بأشياء فيه:
معاوي إن الشام شامك فاعتصم * بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا فإن عليا ناظر ما تجيبه * فأهد له حربا يشيب النواصيا