وقد ذكر ابن جرير أن عثمان رضي الله عنه لما رأي ما فعل هؤلاء الخوارج من أهل الأمصار، من محاصرته في داره، ومنعه الخروج إلى المسجد، كتب إلى معاوية بالشام، وإلى ابن عامر بالبصرة وإلى أهل الكوفة، يستنجدهم في بعض جيش يطردون هؤلاء من المدينة، فبعث معاوية مسلمة بن حبيب، وانتدب يزيد بن أسد القشيري في جيش، وبعث أهل الكوفة جيشا، وأهل البصرة جيشا، فلما سمع أولئك بخروج الجيوش إليهم صمموا في الحصار، فما اقترب الجيوش إلى المدينة حتى جاءهم قتل عثمان رضي الله عنه كما سنذكره. وذكر ابن جرير أن عثمان استدعى الأشتر النخعي ووضعت لعثمان وسادة في كوة من داره. فأشرف على الناس، فقال له عثمان: يا أشتر ماذا يريدون؟ فقال: إنهم يريدون منك إما أن تعزل نفسك عن الامرة، وإما أن تفتدي من نفسك من قد ضربته، أو جلدته، أو حبسته، وإما أن يقتلوك. وفي رواية أنهم طلبوا منه أن يعزل نوابه عن الأمصار ويولي عليها من يريدون هم، وإن لم يعزل نفسه أن يسلم لهم مروان بن الحكم فيعاقبوه كما زور على عثمان كتابه إلى مصر، فخشي عثمان إن سلمه إليهم أن يقتلوه، فيكون سببا في قتل امرئ مسلم وما فعل من الامر ما يستحق بسببه القتل، واعتذر عن الاقتصاص مما قالوا بأنه رجل ضعيف البدن كبير السن. وأما ما سألوه من خلعه نفسه فإنه لا يفعل ولا ينزع قميصا قمصه الله إياه، ويترك أمة محمد يعدو بعضها على بعض ويولي السفهاء من الناس من يختاروه هم فيقع الهرج ويفسد الامر بسبب ذلك الامر كما ظنه فسدت الأمة ووقع الهرج، وقال لهم فيما قال، وأي شئ إلي من الامر إن كنت كلما كرهتم أميرا عزلته، وكلما رضيتم عنه وليته؟ وقال لهم فيما قال: والله لئن قتلتموني لا تتحابوا بعدي، ولا تصلوا جميعا أبدا، ولا تقاتلوا بعدي عدوا جميعا أبدا، وقد صدق رضي الله عنه فيما قال.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الله بن أبي قيس، حدثني النعمان بن بشير قال: كتب معي عثمان إلى عائشة كتابا فدفعت إليها كتابه فحدثني أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعثمان: " إن الله لعله يقمصك قميصا. فإن أرادك أحد على خلعه فلا تخلعه، ثلاث مرات " قال النعمان: فقلت يا أم المؤمنين!
فأين كنت عن هذا الحديث؟ فقالت: يا بني والله أنسيته (1). وقد رواه الترمذي من حديث الليث عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن عامر عن النعمان عن عائشة به. ثم قال: هذا حديث حسن غريب. ورواه ابن ماجة من حديث الفرج بن فضالة عن ربيعة بن يزيد عن النعمان، فأسقط عبد الله بن عامر.
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسماعيل، ثنا قيس، عن أبي سهلة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ادعو لي بعض أصحابي، قلت أبو بكر؟ قال: لا، قلت عمر؟