الناس على عثمان. وكان بمصر جماعة يبغضون عثمان ويتكلمون فيه بكلام قبيح على ما قدمنا، وينقمون عليه في عزله جماعة من علية الصحابة وتوليته من دونهم، أو من لا يصلح عندهم للولاية. وكره أهل مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، بعد عمرو بن العاص، واشتغل عبد الله بن سعد عنهم بقتال أهل المغرب، وفتحه بلاد البربر والأندلس وإفريقية. ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حربه والانكار عليه، وكان عظم ذلك مسندا إلى محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، حتى استنفرا نحوا من ستمائة (1) راكب يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب، لينكروا على عثمان فساروا إليها تحت أربع رفاق، وأمر الجميع إلى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر التجيبي، وسودان بن حمران السكوني. وأقبل معهم محمد بن أبي بكر، وأقام بمصر محمد بن أبي حذيفة يؤلب الناس ويدافع عن هؤلاء. وكتب عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى عثمان يعلمه بقدوم هؤلاء القوم إلى المدينة منكرين عليه في صفة معتمرين. فلما اقتربوا من المدينة (2) أمر عثمان علي ابن أبي طالب أن يخرج إليهم ليردهم إلى بلادهم قبل أن يدخلوا المدينة. ويقال: بل ندب الناس إليهم، فانتدب علي لذلك فبعثه، وخرج معه جماعة الاشراف وأمره أن يأخذ معه عمار بن ياسر.
فقال علي لعمار، فأبى عمار أن يخرج معه. فبعث عثمان سعد بن أبي وقاص أن يذهب إلى عمار ليحرضه على الخروج مع علي إليهم، فأبى عمار كل الاباء، وامتنع أشد الامتناع، وكان متعصبا على عثمان بسبب تأديبه له فيما تقدم على أمر وضربه إياه في ذلك، وذلك بسبب شتمه عباس بن عتبة بن أبي لهب، فأدبهما عثمان، فتآمر عمار عليه لذلك، وجعل يحرض الناس عليه، فنهاه سعد ابن أبي وقاص عن ذلك ولامه عليه، فلم يقع عنه ولم يرجع ولم ينزع، فانطلق علي بن أبي طالب إليهم وهم بالجحفة (3)، وكانوا يعظمونه ويبالغون في أمره، فردهم وأنبهم وشتمهم، فرجعوا على أنفسهم بالملامة، وقالوا: هذا الذي تحاربون الأمير بسببه، وتحتجون عليه به. ويقال إنه ناظرهم في عثمان، وسألهم ماذا ينقمون عليه، فذكروا أشياء منها أنه حمى الحمى، وأنه خرق المصاحف، وأنه أتم الصلاة وأنه ولى الاحداث الولايات وترك الصحابة الأكابر وأعطى بني أمية أكثر من الناس فأجاب علي عن ذلك: أما الحمى فإنما حماه لابل الصدقة لتسمن، ولم يحمه لابله ولا لغنمه وقد حماه عمر من قبله. وأما المصاحف فإنما حرق ما وقع فيه اختلاف، وأبقى لهم المتفق