عنه من الآثار الموقوفة مبوبا على أبواب الفقه ولله الحمد والمنة.
وقد روى سيف بن عمر عن شيوخه عن سالم قال: لما دخل عمر الشام تلقاه رجل من يهود دمشق، فقال السلام عليك يا فاروق، أنت صاحب إيلياء؟ لاها لله لا ترجع حتى يفتح الله عليك إيلياء. وقد روى أحمد بن مروان الدينوري، عن محمد بن عبد العزيز، عن أبيه، عن الهيثم بن عدي، عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه عن جده أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه قدم دمشق في تجار من قريش، فلما خرجوا تخلف عمر لبعض حاجته، فبينما هو في البلد إذا البطريق يأخذ بعنقه، فذهب ينازعه فلم يقدر، فأدخله دارا فيها تراب وفأس ومجرفة وزنبيل، وقال له: حول هذا من ههنا إلى ههنا، وغلق عليه الباب وانصرف فلم يجئ إلى نصف النار. قال: وجلست مفكرا ولم أفعل مما قال لي شيئا. فلما جاء قال: مالك لم تفعل؟ ولكمني في رأسي بيده قال: فأخذت الفأس فضربته بها فقتلته وخرجت على وجهي فجئت ديرا لراهب فجلست عنده من العشي، فأشرف علي فنزل وأدخلني الدير فأطعمني وسقاني، وأتحفني، وجعل يحقق النظر في، وسألني عن أمري فقلت:
إني أضللت أصحابي. فقال: إنك لتنظر بعين خائف، وجعل يتوسمني ثم قال: لقد علم أهل دين النصرانية أني أعلمهم بكتابهم، وإني لأراك الذي تخرجنا من بلادنا هذه، فهل لك أن تكتب لي كتاب أمان على ديري هذا؟ فقلت: يا هذا لقد ذهبت غير مذهب. فلم يزل بي حتى كتبت له صحيفة بما طلب مني، فلما كان وقت الانصراف أعطاني أتانا فقال لي اركبها، فإذا وصلت إلى أصحابك فابعث إلي بها وحدها فإنها لا تمر بدير إلا أكرموها. ففعلت ما أمرني به، فلما قدم عمر لفتح بيت المقدس أتاه ذلك الراهب وهو بالجابية بتلك الصحيفة فأمضاها له عمر واشترط عليه ضيافة من يمر به من المسلمين، وأن يرشدهم إلى الطريق. رواه ابن عساكر وغيره. وقد ساقه ابن عساكر من طريق أخرى في ترجمة يحيى بن عبيد الله بن أسامة القرشي البلقاوي عن زيد بن أسلم، عن أبيه فذكر حديثا طويلا عجيبا هذا بعضه. وقد ذكرنا الشروط العمرية على نصارى الشام مطولا في كتابنا الاحكام، وأفردنا له مصنفا على حدة ولله الحمد والمنة.
وقد ذكرنا خطبته في الجابية بألفاظها وأسانيدها في الكتاب الذي أفردناه لمسند عمر، وذكرنا تواضعه في دخوله الشام في السيرة التي أفردناها له.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني الربيع بن ثعلب، نا أبو إسماعيل المؤدب، عن عبد الله ابن مسلم بن هرمز المكي، عن أبي الغالية الشامي قال: قدم عمر بن الخطاب الجابية على طريق إيلياء على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة، تصطفق رجلاه بين شعبتي الرحل بلا ركاب، وطاؤه كساء انبجاني ذو صوف هو وطاؤه إذا ركب، وفراشه إذا نزل، حقيبته نمرة أو شملة محشوة ليفا، هي حقيبته إذا ركب ووسادته إذا نزل وعليه قميص من كرابيس قد رستم وتخرق جنبه. فقال: ادعوا لي رأس القوم، فدعوا له الجلومس، فقال: اغسلوا قميصي