* ضراب هامات العدى مغوار * (1) ثم ما زال أهل العراق يكشفون الشاميين عن الماء حتى أزاحوهم عنه وخلوا بينهم وبينه، ثم اصطلحوا على الورود حتى صاروا يزدحمون في تلك الشريعة لا يكلم أحد أحدا، ولا يؤذي إنسان إنسانا. وفي رواية أن معاوية لما أمر أبا الأعور بحفظ الشريعة وقف دونها برماح مشرعة، وسيوف مسللة، وسهام مفرقة، وقسي موترة، فجاء أصحاب علي عليا فشكوا إليه ذلك فبعث صعصعة بن صوحان إلى معاوية يقول له: إنا جئنا كافين عن قتالكم حتى نقيم عليكم الحجة، فبعثت إلينا مقدمتك فقاتلتنا قبل أن نبدأكم، ثم هذه أخرى قد منعونا الماء، فلما بلغه ذلك قال معاوية للقوم: ماذا يريدون؟ فقال عمرو خل بينهم وبينه، فليس من النصف أن نكون ريانين وهم عطاش، وقال الوليد: دعهم يذوقوا من العطش ما أذاقوا أمير المؤمنين عثمان حين حصروه في داره، ومنعوه طيب الماء والطعام أربعين صباحا، وقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح (2):
أمنعهم الماء إلى الليل فلعلهم يرجعون إلى بلادهم. فسكت معاوية فقال له صعصعة بن صوحان: ماذا جوابك؟ فقال: سيأتيكم رأيي بعد هذا، فلما رجع صعصعة فأخبر ركب الخيل والرجال، فما زالوا حتى أزاحوهم عن الماء ووردوه قهرا، ثم اصطلحوا فيما بينهم على ورود الماء، ولا يمنع أحد أحدا منه. وأقام على يومين لا يكاتب معاوية ولا يكاتبه معاوية، ثم دعا علي بشير بن عمرو الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني وشبيث بن ربعي السهمي فقال: إيتوا هذا الرجل فادعوه إلى الطاعة والجماعة واسمعوا ما يقول لكم، فلما دخلوا على معاوية قال له بشير بن عمرو: يا معاوية! إن الدنيا عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، والله محاسبك بعملك، ومجازيك بما قدمت يداك، وإني أنشدك الله أن تفرق جماعة هذه الأمة، وأن تسفك دماءها بينها.
فقال له معاوية هلا أوصيت بذلك صاحبكم؟ فقال له: إن صاحبي أحق هذه البرية بالامر في فضله ودينه وسابقته وقرابته، وإنه يدعوك إلى مبايعته فإنه أسلم لك في دنياك، وخير لك في آخرتك. فقال معاوية: ويطل دم عثمان؟ لا والله لا أفعل ذلك أبدا، ثم أراد سعيد بن قيس الهمداني أن يتكلم فبدره شبيث بن ربعي فتكلم قبله بكلام فيه غلظة وجفاء في حق معاوية، فزجره معاوية وزبره في افتياته على من هو أشرف منه، وكلامه بما لا علم له به، ثم أمر بهم فأخرجوا من بين يديه، وصمم على القيام بطلب دم عثمان الذي قتل مظلوما، فعند ذلك نشبت الحرب بينهم، وأمر علي بالطلائع والامراء أن تتقدم للحرب، وجعل علي يؤمر على كل قوم من الحرب أميرا، فمن أمرائه على الحرب الأشتر النخعي - وهو أكبر من كان يخرج