الصفين وعمار ابن تسعين سنة عليه فروة قد ربط وسطه بحبل ليف - فقال الناس: إنا لله وإنا إليه راجعون الآن يلحق عمارا بأصحابه، فضربه ابن يثربي بالسيف فاتقاه عمار بدرقته فغص فيها السيف ونشب، وضربه عمار فقطع رجليه وأخذ أسيرا إلى بين يدي علي فقال: استبقني يا أمير المؤمنين. فقال: أبعد ثلاثة تقتلهم (1)؟ ثم أمر به فقتل واستمر زمام الجمل بعده بيد رجل كان قد استنابه فيه من بني عدي فبرز إليه ربيعة العقيلي فتجاولا حتى قتل كل واحد صاحبه وأخذ الزمام الحارث الضبي فما رأى أشد منه وجعل يقول:
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * نبارز القرن إذا القرن نزل ننعي ابن عفان بأطراف الأسل * الموت أحلى عندنا من العسل * ردوا علينا شيخنا ثم بجسل * (2) وقيل إن هذه الأبيات لوسيم بن عمرو الضبي. فكلما قتل واحد ممن يمسك الجمل يقوم غيره حتى قتل منهم أربعون رجلا قالت عائشة: ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة ثم أخذ الخطام سبعون رجلا من قريش وكل واحد يقتل بعد صاحبه، فكان منهم محمد بن طلحة المعروف بالسجاد فقال لعائشة مريني بأمرك يا أمه. فقالت: آمرك أن تكون كخير ابني آدم فامتنع أن ينصرف وثبت في مكانه وجعل يقول حم لا ينصرون، فتقدم إليه نفر فحملوا عليه فقتلوه وصار لكل واحد منهم بعد ذلك يدعي قتله وقد طعنه بعضهم بحربة فأنفذه وقال:
وأشعث قوام (3) بآيات ربه * قليل الأذى فيما ترى العين مسلم هتكت له (4) بالرمح جيب قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم يناشدني (5) حم والرمح شاجر * فهلا تلا حم قبل التقدم على غير شئ غير أن ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحق يندم وأخذ الخطام عمرو بن الأشرف فجعل لا يدنو منه أحد إلا حطه بالسيف فأقبل إليه الحارث بن زهير الأزدي وهو يقول:
يا أمنا يا خير أم نعلم * * أما ترين كم شجاع يكلم وتجتلي (6) هامته والمعصم