المعركة سهم غرب يقال رماه به مروان بن الحكم فالله أعلم، فانتظم رجله مع فرسه فجمعت به الفرس فجعل يقول: إلي عباد الله، إلي عباد الله، فاتبعه ولي له فأمسكها، فقال له: ويحك!
اعدل بي إلى البيوت؟ وامتلأ خفه دما فقال لغلامه: اردفني، وذلك أنه نزفه الدم وضعف، فركب وراءه وجاء به إلى بيت في البصرة فمات فيه، رضي الله عنه.
وتقدمت عائشة رضي الله عنها في هودجها، وناولت كعب بن سوار قاضي البصرة مصحفا وقالت: دعهم إليه - وذلك أنه حين اشتد الحرب وحمي القتال، ورجع الزبير، وقتل طلحة رضي الله عنهما - فلما تقدم كعب بن سوار بالمصحف يدعو إليه استقبله مقدمة جيش الكوفيين، وكان عبد الله له بن سبأ - وهو ابن السوداء - وأتباعه بين يدي الجيش، يقتلون من قدروا عليه من أهل البصرة، لا يتوقفون في أحد، فلما رأوا كعب بن سوار رافعا المصحف رشقوه بنبالهم رشقة رجال واحد فقتلوه (1)، ووصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فجعلت تنادي:
الله الله! يا بني اذكروا يوم الحساب ورفعت يديها تدعو على أولئك النفر من قتلة عثمان، فضج الناس معها بالدعاء حتى بلغت الضجة إلى علي فقال: ما هذا؟ فقالوا: أم المؤمنين تدعو على قتلة عثمان وأشياعهم. فقال: اللهم العن قتلة عثمان، وجعل أولئك النفر لا يقلعون عن رشق هودجها بالنبال حتى بقي مثل القنفذ، وجعلت تحرض الناس على منعهم وكفهم، فحملت معه الحفيظة فطردوهم حتى وصلت الحملة إلى الموضع الذي فيه علي بن أبي طالب، فقال لابنه محمد بن الحنفية: ويحك! تقدم بالراية، فلم يستطع، فأخذها علي من يده فتقدم بها، وجعلت الحرب تأخذ وتعطي، فتارة لأهل البصرة، وتارة لأهل الكوفة، وقتل خلق كثير، وجم غفير، ولم تر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الوقعة، وجعلت عائشة تحرض الناس على أولئك النفر من قتلة عثمان، ونظرت عن يمينها فقالت: من هؤلاء القوم؟ فقالوا: نحن بكر بن وائل، فقالت: لكم يقول القائل:
وجاؤوا إلينا بالحديد كأنهم * من الغرة (2) القعساء بكر بن وائل ثم لجأ إليها بنو ناجية ثم بنو ضبة فقتل عنده منهم خلق كثير، ويقال إنه قطعت يد سبعين رجلا وهي آخذة بخطام الجمل فلما أثخنوا تقدم بنو عدي بن عبد مناف فقاتلوا قتالا شديدا، ورفعوا رأس الجمل، وجعل أولئك يقصدون الجمل وقالوا: لا يزال الحرب قائما ما دام هذا الجمل واقفا، ورأس الجمل في يد عمرة بن يثربي، وقيل أخوه عمرو بن يثربي ثم صمد عليه علباء بن الهيثم وكان من الشجعان المذكورين، فتقدم إليه عمرو الجملي فقتله ابن يثربي وقتل زيد بن صوحان، وأرتث صعصعة بن صوحان فدعاه عمار إلى البراز فبرز له، فتجاولا بين