قد منع حرقوص بن زهير من طلحة والزبير وكان قد بايع عليا بالمدينة وذلك أنه قدم المدينة وعثمان محصور فسأل عائشة وطلحة والزبير: إن قتل عثمان من أبايع؟ فقالوا بايع عليا فلما قتل عثمان بايع عليا قال: ثم رجعت إلى قومي فجاءني بعد ذلك ما هو أفظع، حتى قال الناس هذه عائشة جاءت لتأخذ بدم عثمان، فحرت في أمري لمن أتبع، فمنعني الله بحديث سمعته من أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغه أن الفرس قد ملكوا عليهم ابنة كسرى فقال: " لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة " (1) وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري، والمقصود أن الأحنف لما انحاز إلى علي ومعه ستة آلاف قوس، فقال لعلي: إن شئت قاتلت معك، وإن شئت كففت عنك عشرة آلاف سيف (2)، فقال: اكفف عنا عشرة آلاف سيف، ثم بعث علي إلى طلحة والزبير يقول: إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا الامر، فأرسلا إليه في جواب رسالته: إنا على ما فارقنا القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس، فاطمأنت النفوس وسكنت، واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين، فلما أمسوا بعث علي عبد الله بن عباس إليهم، وبعثوا إليه محمد بن طليحة السجاد وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب من ألفي رجل فانصرف كل فريق إلى قراباتهم فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا طرقتنا أهل الكوفة ليلا، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملا من أصحاب علي فبلغ الامر عليا فقال: ما للناس؟ فقالوا، بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه ولبسوا اللامة وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الامر عليه في نفس الامر، وكان أمر الله قدرا مقدورا وقامت الحرب على ساق وقدم، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، فنشبت الحرب، وتواقف الفريقان وقد اجتمع مع علي عشرون ألفا، والتف على عائشة ومن معها نحوا من ثلاثين ألفا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والسابئة أصحاب ابن السوداء قبحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي: ألا كفوا ألا كفوا، فلا يسمع أحد، وجاء كعب بن سوار قاضي البصرة فقال: يا أم المؤمنين أدركي الناس لعل الله أن يصلح بك بين الناس، فجلست في هودجها فوق بعيرها وستروا الهودج بالدروع، وجاءت فوقفت بحيث تنظر إلى الناس عند حركاتهم، فتصاولوا وتجاولوا، وكان في جملة من تبارز الزبير وعمار، فجعل عمار ينخره بالرمح والزبير كاف عنه، ويقول له، أتقتلني يا أبا اليقظان؟ فيقول:
لا يا أبا عبد الله، وإنما تركه الزبير لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تقتلك الفئة الباغية " (3) وإلا فالزبير أقدر