عبد الله بن عبد الله بن عتبان (1) من الكوفة إلى عمر مع قريب بن ظفر العبدي بأنهم قد اجتمعوا وهم منحرفون متذامرون على الاسلام وأهله، وأن المصلحة يا أمير المؤمنين أن نقصدهم فنعاجلهم عما هموا به وعزموا عليه من المسير إلى بلادنا فقال عمر لحامل الكتاب: ما اسمك؟ قال:
قريب. قال: ابن من؟ قال: ابن ظفر. فتفاءل عمر بذلك وقال: ظفر قريب. ثم أمر فنودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس وكان أول من دخل المسجد لذلك سعد بن أبي وقاص، فتفاءل عمر أيضا بسعد، فصعد عمر المنبر حتى اجتمع الناس فقال: إن هذا يوم له ما بعده من الأيام، ألا وإني قد هممت بأمر فاسمعوا وأجيبوا وأوجزوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، إني قد رأيت أن أسير بمن قبلي حتى أنزل منزلا وسطا بين هذين المصرين فأستنفر الناس، ثم أكون لهم ردءا حتى يفتح الله عليهم. فقام عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أهل الرأي، فتكلم كل منهم بانفراده فأحسن وأجاد، واتفق رأيهم على أن لا يسير من المدينة، ولكن يبعث البعوث ويحصرهم برأيه ودعائه. وكان من كلام علي رضي الله عنه أن قال: يا أمير المؤمنين، إن هذا الامر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، هو دينه الذي أظهر، وجنده الذي أعزه وأمده بالملائكة حتى بلغ ما بلغ. فنحن على موعود من الله والله منجز وعده، وناصر جنده، ومكانك منهم يا أمير المؤمنين مكان النظام من الخرز يجمعه ويمسكه، فإذا انحل تفرق ما فيه وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا. والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثير عزيز بالاسلام، فأقم مكانك واكتب إلى أهل الكوفة فهم أعلام العرب ورؤساؤهم، فليذهب منهم الثلثان ويقيم الثلث، واكتب إلى أهل البصرة يمدونهم أيضا. - وكان عثمان قد أشار في كلامه أن يمدهم في جيوش من أهل اليمن والشام. ووافق عمر على الذهاب إلى ما بين البصرة والكوفة - فرد علي على عثمان في موافقته على الذهاب إلى ما بين البصرة والكوفة كما تقدم، ورد رأي عثمان فيما أشار به من استمداد أهل الشام خوفا على بلادهم إذا قل جيوشها من الروم. ومن أهل اليمن خوفا على بلادهم من الحبشة. فأعجب عمر قول علي وسر به - وكان عمر إذا استشار أحدا لا يبرم أمرا حتى يشاور العباس - فلما أعجبه كلام الصحابة في هذا المقام عرضه على العباس فقال: يا أمير المؤمنين خفض عليك، فإنما اجتمع هؤلاء الفرس لنقمة تنزل عليهم. ثم قال عمر: أشيروا علي بمن أوليه أمر الحرب وليكن عراقيا. فقالوا: أنت أبصر بجندك يا أمير المؤمنين. فقال: أما والله لأولين رجلا يكون أول الأسنة إذا لقيها غدا. قالوا: من يا أمير المؤمنين؟ قال: النعمان بن مقرن.
فقالوا: هو لها - وكان النعمان قد كتب إلى عمر وهو على كسكر وسأله أن يعزله عنها ويوليه قتال أهل نهاوند - فلهذا أجابه إلى ذلك وعينه له، ثم كتب عمر إلى حذيفة أن يسير من الكوفة بجنود منها، وكتب إلى أبي موسى أن يسير بجنود البصرة، وكتب إلى النعمان - وكان بالبصرة - أن يسير بمن هناك من الجنود إلى نهاوند، وإذا اجتمع الناس فكل أمير على جيشه والأمير على الناس كلهم