إني مكبر ثلاثا فتهيأوا ثم أملوا في الرابعة. فلما كبر أول تكبيرة أعجلتهم فارس وخالطوهم [مع أول تكبيرة]، وركدت خيلهم وحربهم مليا فرأي المثنى خللا في بني عجل فجعل يمد لحيته لما يري منهم وأرسل إليهم يقول: الأمير يقرأ عليكم السلام ويقول: لا تفضحوا المسلمين اليوم. فقالوا: نعم، واعتدلوا فضحك فرحا.
فلما طال القتال واشتد. قال المثنى لأنس بن هلال النمري: إنك امرؤ عربي وإن لم تكن على ديننا فإذا حملت على مهران فاحمل معي. فأجابه فحمل المثنى على مهران فأزاله حتى دخل في ميمنته. ثم خالطوهم، واجتمع القلبان، وارتفع الغبار والمجنبات تقتتل لا يستطيعون أن يفرغوا لنصر أميرهم لا المسلمون ولا المشركون، وارتث مسعود أخو المثنى يومئذ وجماعة من أعيان المسلمين، فلما أصيب مسعود تضعضع من معه، فقال: يا معشر بكر ارفعوا رايتكم رفعكم الله ولا يهولنكم مصرعي! وكان المثنى قال لهم: إذا رأيتمونا أصبنا فلا تدعوا ما أنتم فيه، ألزموا مصافكم وأغنوا غناء من يليكم.
وأوجع قلب المسلمين في قلب المشركين، وقتل غلام نصراني من تغلب مهران واستوى على فرسه، فجعل المثنى سلبه لصاحب خيله، وكان التغلبي قله جلب خيلا هو وجماعة من تغلب، فلما رأوا القتال قاتلوا مع العرب، قال: وأفنى المثنى قلب المشركين والمجنبات بعضها يقاتل بعضا، فلما رأوه قد أزال القلب وأفنى أهله وثب مجنبات المسلمين على مجنبات المشركين، وجعلوا يردون الأعاجم على أدبارهم، وجعل المثنى والمسلمون في القلب يدعون لهم بالنصر ويرسل إليهم من يذمرهم ويقول لهم: (عاداتكم في أمثالهم انصروا الله ينصركم له، حتى هزموا الفرس، وسبقهم المثنى إلى الجسر وأخذ طريق الأعاجم فافترقوا