أتلك أحسن أم ظبي برابية * لا بل حبيشة في عيني وفي أرب فزجرته أمه، وقالت: ما أنت وهذا وأنا قد زوجتك ابنة عمك، فهي من أجمل تلك النساء؟ وأتت امرأة عمير فأخبرتها الخبر، وقالت: زيني ابنتك له ففعلت وأدخلتها عليه فأطرق، فقالت أمه: أيهما الآن أحسن؟ فقال:
إذا غيبت عني حبيشة مرة * من الدهر لا أملك عزاء ولا صبرا كأن الحشا حر السعير تحسه * وقود الغضا والقلب مضطرم جمرا وجعل يراسل الجارية وتراسله فعلقته كما علقها وأكثر قول الشعر فيها، فمن ذلك:
حبيشة جدي ثم جدك جامع * بشملكم شملي وأهلكم أهلي وهل أنا متلف بثوبك مرة * بصحراء بين الألبتين إلى النحل فلما علم أهلها خبرهما حجبوها عنه فازداد غرامه. فقالوا لها: عديه السرحة فإذا أتاك فقولي له: نشدتك الله إن أحببتني فوالله ما على الأرض أبغض إلي منك، ونحن قريب نسمع ما تقولين فوعدته وجلسوا قريبا، فأقبل لموعد لها، فلما دنا منها دمعت عيناها وألتفتت إلى جنب أهلها وهم جلوس، فعرف أنهم قريب وبلغه الحال فقال:
فإن قلت ما قالوا لقد زدتني جوى * على إنه لم يبق سر ولا ستر ولم يك حن عن نواك بذلته * فيسلبني عنك التجنب والهجر وما أنس للأشياء ولا أنس ومقها * ونظرتها حتى يغيبني القبر