وصلاحها بعد على أيديهم، فخرج اللعين السليطين وابن هود في نحو من أربعين ألف فارس، وتاشفين بالزهراء، فقصد ابن هود جهة إشبيلية، وبقي ينفق على جيوش السليطين نحو ثمانية أشهر، وشرط عليهم أنهم لا يأسرون أحدا، فحدثني المستنصر - وقد ندم على فعله من شيطنة الشبيبة وطلب ملك آبائه - فقال لي: الذي أنفقت في تلك السفرة من الذهب الخالص ثلاثة آلاف ألف دينار، والذي دفعت إليهم من مخازن روطة من الدروع أربعون (1) ألف درع، ومن البيض مثلها، ومن الطوارق ثلاثون (2) ألفا، وذكر لي جماعة أنه دفع إلى السليطين خيمة كان يحملها أربعون بغلا، وذكر لي محمد ابن مالك الشاعر أنه أبصر تلك الخيمة، قال: فما سمع بأكبر منها قط، ولما طالت إقامته على البلاد، ولم يخرج إلى ابن هود أحد، رجع ومعه ابن هود، ولم يكن مع ابن هود إلا نحو من مئتي فارس، فأقام ابن هود بطليطلة ليذهب منها إلى حصونه التي عوض بها - وبئس للظالمين بدلا - ثم إن قرطبة اضطرب أمرها، واشتغل أمير المسلمين بما دهمه من خروج التومرتية (3)، فجاء المستنصر بالله أحمد من مدينة غرليطش، وقصد قرطبة، وكان محببا إلى الناس بالصيت، فبرز إليه ابن حمدين زعيم قرطبة بعسكرها، فقصد عسكرها نحو ابن هود طائعين، ففر حينئذ ابن حمدين إلى بليدة، ودخل ابن هود قرطبة بلا كلفة ولا ضربة ولا طعنة، فاستوزر أبا سعيد المعروف بفرج الدليل، وكاتب نواب البلاد، ففرحوا به لأصالته في الملك، ثم خرج فرج الدليل إلى حصن المدور، فقيل لابن هود: قد نافق وفارق، فخرج بنفسه، واستنزله من
(٤٢)