أن هذا القصد يفوت بالموت فلا يتعلق بماله حج واجب بالنذر بل يكون الأمر بإخراج الحج المنذور واردا على وجه الاستحباب للوارث، وكونه من الثلث رعاية لجانبه واحتراز من وقوع الحيف عليه كما هو الشأن في التصرف المالي الواقع للميت من دون أن يكون مستحقا عليه، وحج الولي أيضا محمول في الخبر الأول على الاستحباب، وفي الثاني تصريح بذلك وقد جعله الشيخ شاهدا على إرادة التطوع من الأول أيضا، وفيه نظر، لأن الحكم في الثاني مذكور على وجه التخيير بينه وبين الاخراج من الثلث وهو يستدعى وجود المال، وفي الأول مفروض في حال عدم وجوده وقوله: " فإنما هو دين عليه " ينبغي أن يكون راجعا إلى حج الاسلام وإن كان حج النذر أقرب إليه، فإن الظاهر كونه تعليلا لتقديم حج الاسلام حيث يكون المتروك بقدره فحسب.
وبقي الكلام في قوله: " هي واجبة على الأب من ثلثه " وإرادة الاستحباب المتأكد منه غير بعيدة وقد بينا فيما سلف أن استعمال الوجوب في هذا المعنى موافق لمقتضى أصل الوضع ولم يثبت تقدم المعنى العرفي له الآن بحيث يكون موجودا في عصر الأئمة (عليهم السلام) ليقدم على المعنى اللغوي، وذكرنا أن الشيخ - رحمه الله - يكرر القول في أن المتأكد من السنن يعبر عنه بالوجوب وله في خصوص كتاب الحج كلام في هذا المعنى لا بأس بإيراده وهو مذكور في الكتابين وهذه صورة ما في التهذيب: " قد بينا في غير موضع من هذا الكتاب أن ما الأولى فعله قد يطلق عليه اسم الوجوب وإن لم يستحق بتركه العقاب " وأنت خبير بأن اعتراف الشيخ بهذا يأبى تقدم العرف واستقراره في ذلك العصر فيحتاج إثباته إلى حجة وبدونها لا أقل من الشك المنافي للخروج عن الأصل، وبما حررناه يعلم ضعف ما أختاره الشيخ هنا من وجوب إخراج الحجة المنذورة من الثلث.
هذا كله على تقدير نهوض الحديثين بإثبات الحكم وإلا استغنى عن تكلف البحث في معناهما، وكان التعويل في المسألة على ما يقتضيه الأصول.