لم يكن إقرارا للوارث مطلقا بل هو في الحقيقة اعتراف بمال مستحق للاخراج في الوجه الذي يذكر من حج أو غيره إما بأجمعه وذلك على تقدير مساواته للحق أو ببعض منه بتقدير الفضلة عنه أو على سبيل التخيير بينه وبين غيره إذا كان للميت مال آخر إلى غير ذلك من الاحكام المقررة في مواضعها، وكيف يعقل أن يكون مثل هذا إقرارا للوارث مع كون الكلام المتصل جملة واحدة لا يتم معناه ولا يتحصل الغرض منه إلا باستيفائه على ما هو محقق في محله، وخلاصة الأمر أن المتجه في نحو هذا الفرض كون المقر به هو ما يتحصل من مجموع الكلام لا ما يقع في ابتدائه بحيث يجعل أوله إقرارا وآخره دعوى وتمام تنقيح هذا المقام بمباحث الاقرار أليق.
إذا نقرر ذلك فاعلم أن المستفاد من الحديث بعد ملاحظة هذا التحقيق وجوب إخراج الحجة من الوديعة حيث لا مال سواها بحسب فرض السائل وكون ما يفضل عنها للوارث، وأمره (عليه السلام) له بالحج إذن له في تعاطيه بنفسه لا في استنابة غيره فلا بد في غير صورة السؤال والجواب من استيذان من له الولاية العامة في مثله إذا لم يكن الودعي ممن له ذلك وكذا القول فيما لو تضمن الاقرار نوعا آخر من الحق فإن القدر الذي يحكم به حينئذ إنما هو تقديم الحق على الوارث وأما طريق تنفيذه فيرجع فيه إلى القواعد، ولا يقاس على أمره (عليه السلام) في الخبر للسائل بالحج فإنه مختص بتلك الصورة الخاصة فلا يتعداها.
محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب عن ابن رئاب، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل يخرج حاجا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق قال: إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الاسلام وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام فإن فضل من ذلك شئ فهو للورثة إن لم يكن عليه دين، قلت:
أرأيت إن كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل أن