الكلام ظاهرا في أحدهما، فلا يبقى في الحديث حجه على حكم المطلوب منه، ولئن شك في تساوى الاحتمالين نظرا إلى أن مآل السؤال على احتمال تعلق النفي بالقيد إلى أن الفائت هو إدراك المشعر مع الناس فأي فائدة في ذكر الموقفين لأمكن دفعه بأن القصور في تأدية الراوي لحكاية الحال بينة في عدة مواضع من الحديث فلا يبعد وقوع الزيادة الخلية عن الفائدة معه.
وأما خبر جميل فهو بالقياس إلى حديث حريز بمثابة المطلق من المقيد واللازم من هذا وجوب تقييده به، وبيان ذلك أن الحكم بإدراك الحج لادراك المشعر قبل الزوال في خبر جميل خال من التعرض للوقوف بعرفة نفيا أو إثباتا وغير مناف للتصريح بالثبوت معه أو النفي، وقد دل خبر حريز على أن من وقف بالمشعر في هذا الوقت ولم يكن وقف بعرفة ليس بمدرك للحج، وذلك يقتضي اعتبار الوقوف بعرفة معه إثباتا وهو معنى التقييد للمطلق كما قلناه.
ويؤيده ما سيجئ في خبر لضريس من المشهوري في حكم من لم يبلغ مكة الا يوم النحر حيث تضمنت فوات الحج بذلك من غير استفصال عن إمكان لحوق المشعر قبل زوال الشمس مع قرب احتماله من ظاهر اللفظ دون إدراكه قبل طلوعها.
ثم إن ملاحظة ما حررناه في حديث ابن المغيرة يقتضي اختصاص دلالته على إجزاء الوقوف بالمشعر قبل الزوال لمن كان قد وقف بعرفات بحال إدراك عرفة مع الناس فتخلو هذه الأخبار من الدلالة على حكم من أدركها ليلا ولم يدرك المشعر حتى طلعت الشمس، ولكن يأتي في المشهوري خبر يدل على إجزائه دلالة واضحة، والشيخ جعله دليلا على تأويله لحديث ابن المغيرة وما في معناه بالحمل على إدراك عرفات أيضا وهو جيد إلا أن الشأن في نهوض الطريق بإثبات الحكم عندنا، فإن الشيخ - رحمة الله - يسعه في أمثال هذه المواضع لقرب العهد ما لا يسعنا كما نبهنا عليه في أول الكتاب، واللازم من ذلك بقاء الحكم خاليا من