الثاني، الفرق. وذلك: أما بين السرقة ومكاتبة الكفار فلان داعية الأراذل، وهم الأكثرون، متحققة بالنسبة إليها، فلولا شرع القطع، لكانت مفسدة السرقة، مما تقع غالبا، ولا كذلك في مكاتبة الكفار.
وأما بين الظهار والردة، فهو أن الحاجة إلى شرع الكفارة في الردة دون الحاجة إلى شرعها في الظهار، وذلك لما ترتب على الردة من شرع القتل الوازع عنها بخلاف الظهار، وربما أورد الأصحاب مناقضة على أصحاب أبي حنيفة في منعهم من إيجاب الكفارة بالقياس، بإيجاب الكفارة بالاكل والشر ب في نهار رمضان، بالقياس على المجامع، وهو غير لازم على من قال منهم بذلك، وذلك لان العلة عندهم في حق المجامع لايجاب الكفارة مومى إليها في قصة الأعرابي، وهي عموم الافساد، فالحكم في الأكل والشرب يكون ثابتا بالاستدلال، أي بعلة مومى إليها، لا بالقياس، وذلك لان القياس لا بد فيه من النظر إلى حكم الأصل، إذ هو أحد أركان القياس، لضرورة اعتبار العلة الجامعة والعلة إذا كانت منصوصة أو مومى إليها، فقد ثبت اعتبارها بالنص، لا بحكم الأصل، ومهما كان الحكم في الأصل غير ملتفت إليه في اعتبار العلة، لاستقلال النص باعتبارها، فلا يكون الحكم في الفرع ثابتا بالقياس، لان العمل بالقياس لا بد فيه من النظر إلى حكم لأصل. وقد قيل إنه لا نظر إليه، بل غايته أن النص قد دل في الوقاع على الحكم وعلى العلة، فالحكم في الفرع إذا كان ثابتا بالعلة المنصوصة، لا يكون حكما بالقياس ولا بالنص، لعدم دلالة النص عليه، وإن دل على العلة ولا إجماع، لوقوع الخلاف فيه، وما كان ثابتا لا بنص ولا إجماع ولا قياس، فالذي ثبت به هو المعبر عنه بالاستدلال.