للظن العمل بالاختيار من غير ظن مفيد للحكم.
والمعتمد في المسألة أن يقال: لو امتنع ذلك، إما أن يمتنع لذاته، أو لمانع من خارج، الأول محال فأنا إذا قدرناه لم يلزم عنه لذاته محال في العقل وإن كان لمانع من خارج فالأصل عدمه، وعلى من يدعيه بيانه.
فإن قيل: يمتنع ذلك لان الباري تعالى إنما شرع الشرائع لمصالح العباد، فلو فوض ذلك إلى اختيار العبد، فاختيار العبد متردد بين أن يكون مصلحة، وبين أن يكون مفسدة، فلا نأمن من اختياره للمفسدة، وذلك خلاف ما وضعت له الشريعة.
والجواب عن هذا الاشكال أنه مبني على رعاية المصلحة في أفعال الله تعالى، وقد أبطلناه في موضعه، وإن سلمنا اعتبار ذلك في أفعاله تعالى، ولكن قد أمنا في ذلك من اختيار المفسدة لقول الله اختر، فإنك لا تختار إلا الصواب.
فإن قيل: يمتنع على الشارع قول ذلك، لاستحالة استمرار المكلف على اختيار الصلاح دون الفساد، كما لا يجوز اتفاق الافعال الكثيرة المحكمة من غير علم، ثم لو جاز ذلك في حق المجتهد، لجاز مثله في حق العامي، وليس كذلك.
قلنا: دليل جواز ذلك من الشارع، أنا لو قدرنا وروده منه، لم يلزم عنه لذاته محال.
قولهم: إنه لا يتفق اختيار الصلاح في الافعال الكثيرة - قلنا: متى إذا أخبر الصادق بذلك، أو إذا لم يخبر؟ الأول ممنوع. والثاني مسلم. وعلى هذا، فلو قال للعامي مثل ذلك، كان جائزا عقلا. ثم وإن سلمنا أنه لا يتفق اختيار المصلحة في الافعال الكثيرة، لكن متى إذا كانت المصلحة خارجة عن الفعل المختار، أو إذا كانت المصلحة هي نفس الفعل المختار؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع.