الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٨٥
رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقبل صلاتك فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف.
والاعتراض الثاني أن قالوا: لعل المأمور بالإعادة إنما أمره عليه السلام بذلك لعمل ما، غير انفراده في الصف. فقيل لهم: هذا تكهن لا دليل عليه، والراوي الذي نقل ذلك من الصحابة رضي الله عنهم إنما أخبر أن سبب أمره بالإعادة كان انفراده، ولم يذكر غير ذلك، وقد قال تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) رسول الله صلى الله عليه وسلم من وشم في الوجه، ومن غير منار الأرض، إنما لعنه لأمر ما غير هذين الفعلين، ولعله عليه السلام جلد الأمة التي زنت، ورجم ماعزا، ورجم الغامدية - لغير الزنى، ولشئ ما لم يذكر لنا. ومثل هذا من الاعتراض فإنما هو عناد ظاهر وجهل شديد وإن العجب ليطول من أصحاب أبي حنيفة الذين يأمرون المرأة إذا صلت مع الرجل إلى جنبه - أن يعيد الرجل، ومن أصحاب مالك الذين يأمرون الامام - إذا صلى في مكان مرتفع والناس تحته - أن يعيد، فإن سئلوا عن الحجة في ذلك قالوا: لأنهما صليا حيث لم يبح لهما، ولا يأمرون المنفرد خلف الصف والمصلي في مكان مغصوب بالإعادة، وكلاهما قد صلى على الحقيقة في مكان لم يبح له بلا شك، وأما الامام المصلي في المكان المرتفع، والرجل الذي صلت المرأة إلى جنبه بصلاته - وهو غير راض بذلك - فما صليا إلا كما أمر، وكما أبيح لهما، فلو عكس هؤلاء القوم أكثر مذاهبهم لأصابوا فكيف وقد صح نص قولنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما حدثنا عبد الله بن ربيع قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن السليم، حدثنا ابن الأعرابي، ثنا أبو داود السجستاني، ثنا حميد بن مسعدة: أن يزيد بن زريع حدثهم قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن زياد الأعلم، قال: أنبأنا الحسن - وهو البصري - أن أبا بكرة حدثه قال: إنه دخل المسجد ونبي الله صلى الله عليه وسلم راكع فركعت دون الصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد.
قال علي: وحتى لو صح هذا الترجيح الفاسد الذي ذكرنا في أول كلامنا هذا،
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258