الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٨٦
لكان حديث وابصة هو الذي يجب أن يؤخذ به، لان الأحاديث الواردة من طرق جمة وألفاظ شتى في تسوية الصفوف وإيجاب ذلك، والوعيد الشديد على خلافه - مؤيدة كلها لحديث وابصة وموافقة له، ومبطلة لصلاة من لم يقم الصف من الرجال، وكل من صلى وحده منفردا خلف الصف فلم يقم الصف، وتلك الأحاديث التي ذكرناها رواها جابر بن سلمة، وأبو مسعود البدري، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، والنعمان بن بشير، وأبو هريرة من طرق في غاية الصحة.
وروي ذلك أيضا من طريق ابن عمرو، وأبي مالك الأشعري، والعرباض بن سارية، والبراء بن عازب، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا أن حديث أبي بكر موافق لحديث وابصة، فثبت حديث وابصة لا معارض له، وصار بكثرة من ذكرنا من رواة معناه، والحكم الواجب فيه منقولا نقل التواتر، موجبا للعلم الضروري، لأنه رواه اثنا عشر صاحبا، منهم الكوفي والبصري والرقي والشامي والمدني من طرق شتى، وهذه صفة نقل الكافة، وبالله تعالى التوفيق.
وقالوا: نرجح أحد النصين بأن يكون أحدهما أبعد من الشناعة، ومثلوا ذلك بقوله تعالى: إن جاء كم بنبأ فتبينوا الآية مع قوله عز وجل أو آخران من غير كم قال علي: وهذا لا معنى له، ولا شناعة إلا المخالفة لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، والتحكم بالآراء الفاسدة على ما أمرنا به، فهذه هي الشنعة التي لا شنعة غيرها. وقوله تعالى أو آخران من غير كم مستثنى من آية النهي عن قبول خبر الواحد الفاسق فلا يقبل فاسق أصلا إلا في الوصية في السفر فقط، فإنه يقبل فيها كافران خاصة دون سائر الفساق، ولا شنعة أعظم ولا أفحش ولا أقبح ولا أظهر من بطلان قول من قال وآخران من غير كم أي من غير قبيلتكم، تعالى الله عن هذا الهذر علوا كبيرا، وليت شعري أي قبيلة خاطب الله عز وجل بهذا الخطاب خاصة دون سائر القبائل، وقد قال تعالى في أول الآية: يا أيها الذين امنوا وما علمنا الذين أمنوا قبيلة بعينها.
بل في الذين آمنوا: عرب، وفرس، وقبط، ونبط، وروم، وصقلب، وخزر، وسودان حبشة، وزنج، ونوبة، وبجاة، وبربر، وهند، وسند، وترك، وديلم، وكرد، فثبت بضرورة لا مجال للشك فيها، أن غير الذين آمنوا: هم الذين كفروا، ولا ينكر
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258