لكان حديث وابصة هو الذي يجب أن يؤخذ به، لان الأحاديث الواردة من طرق جمة وألفاظ شتى في تسوية الصفوف وإيجاب ذلك، والوعيد الشديد على خلافه - مؤيدة كلها لحديث وابصة وموافقة له، ومبطلة لصلاة من لم يقم الصف من الرجال، وكل من صلى وحده منفردا خلف الصف فلم يقم الصف، وتلك الأحاديث التي ذكرناها رواها جابر بن سلمة، وأبو مسعود البدري، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، والنعمان بن بشير، وأبو هريرة من طرق في غاية الصحة.
وروي ذلك أيضا من طريق ابن عمرو، وأبي مالك الأشعري، والعرباض بن سارية، والبراء بن عازب، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا أن حديث أبي بكر موافق لحديث وابصة، فثبت حديث وابصة لا معارض له، وصار بكثرة من ذكرنا من رواة معناه، والحكم الواجب فيه منقولا نقل التواتر، موجبا للعلم الضروري، لأنه رواه اثنا عشر صاحبا، منهم الكوفي والبصري والرقي والشامي والمدني من طرق شتى، وهذه صفة نقل الكافة، وبالله تعالى التوفيق.
وقالوا: نرجح أحد النصين بأن يكون أحدهما أبعد من الشناعة، ومثلوا ذلك بقوله تعالى: إن جاء كم بنبأ فتبينوا الآية مع قوله عز وجل أو آخران من غير كم قال علي: وهذا لا معنى له، ولا شناعة إلا المخالفة لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، والتحكم بالآراء الفاسدة على ما أمرنا به، فهذه هي الشنعة التي لا شنعة غيرها. وقوله تعالى أو آخران من غير كم مستثنى من آية النهي عن قبول خبر الواحد الفاسق فلا يقبل فاسق أصلا إلا في الوصية في السفر فقط، فإنه يقبل فيها كافران خاصة دون سائر الفساق، ولا شنعة أعظم ولا أفحش ولا أقبح ولا أظهر من بطلان قول من قال وآخران من غير كم أي من غير قبيلتكم، تعالى الله عن هذا الهذر علوا كبيرا، وليت شعري أي قبيلة خاطب الله عز وجل بهذا الخطاب خاصة دون سائر القبائل، وقد قال تعالى في أول الآية: يا أيها الذين امنوا وما علمنا الذين أمنوا قبيلة بعينها.
بل في الذين آمنوا: عرب، وفرس، وقبط، ونبط، وروم، وصقلب، وخزر، وسودان حبشة، وزنج، ونوبة، وبجاة، وبربر، وهند، وسند، وترك، وديلم، وكرد، فثبت بضرورة لا مجال للشك فيها، أن غير الذين آمنوا: هم الذين كفروا، ولا ينكر